الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

التربص: الانتظار. القرء: الحيض أو الطهر من الحيض. بعولة: جمع بعل وهو الزوج.

وعلى المطلقات اللاتي دخل بهنّ أزواجهن ان ينتظرن ثلاثة حيضات لا يجوز للمرأة منهنّ ان تتزوج قبل انقضائها، وهي العدة. والحكمة في ذلك هي التأكيد من أنها ليست ذات حمل. ولا يجوز لهن ان يكتمن ما خلق الله في ارحامهن من الاولاد، أو دم الحيض.. ذلك ان بعض المطلقات يدّعين ان مدة الحيض طالت فيطالبن بالنفقة عن تلك المدة.

وكانت المرأة في الجاهلية قد تتزوج بعد طلاقها دون ان تنتظر العدة، ثم يظهر انها حبلى من الاول، فتُلحق الولد بالثاني.. وفي هذا اختلاط الأنساب وضياع لحقوق الناس. فلما جاء الإسلام حرّم هذا وشدّد في ذلك بقوله: { إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } اي اذا كن صادقات في الايمان بالله واليوم الآخر.

والأزواج أحقّ من غيرهم في ارجاع مطلقاتهم اليهم قبل انقضاء العدة إذا قصدوا الاصلاح وحسن المعاشرة. أما اذا قصدوا الإضرار بالمرأة ومنعها من التزوج حتى تبقى كالمعلّقة، فلا، ويكون الزوج آثماً عند الله.

{ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ... } ان للرجال والنساء حقوقا الواحد منهم تجاه الآخر وعليهم وعليهن واجبات. " وبالمعروف " تعني ان هذه الحقوق والواجبات موكولة الى اصطلاح ما يجري عليه العرف بينهم وما تعارفوا عليه من آداب وعادات. وقد أجمل النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحقوق عندما قضى بين ابنته فاطمة وزوجها عليّ، حيث قضى عليها بخدمة البيت، وعليه بما كان في خارجه من الأعمال.

وهذا ما تحكم به الفطرة في توزيع الأعمال بين الزوجين، فعلى المرأة تدبير شؤون المنزل وعلى الرجل السعي والكسب في خارجه. ولا يمنع هذا من استعانة اي منهما بالخدم ولا من مساعدة كل منهما للآخر.

أما قوله تعالى: { وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } فقد فسرتها الآية الواردة في سورة النساء: { ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ }. فهذه الدرجة هي الرياسة ومسؤولية القيام على المصالح، والانفاق على الأسرة.

ان الحياة الزوجية تقتضي وجود مسؤول يُرجع اليه عند اختلاف الآراء والرغبات حتى لا يعمل كلٌّ ضد الآخر، فتنفَصِم عروة الوحدة الجامعة. والرجل هو الأحق بذلك.

{ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فمن عزّته ان أعطى المرأة مثل ما اعطى الرجل من الحقوق بعد ان كانت كالمتاع لدى جميع الأمم. إنه هو الذي رفعها عما كانت عليه في كل شريعة من الشرائع الماضية. فلقد كانت المرأة عند الرومان مثلاً أمَة في بيت زوجها عليها واجبات، وليس لها حقوق.

ويرى الاستاذ سيد قطب ان هذه الدرجة مقيدة في هذا السياق بحق الرجل في هذا الموضع، وليست مطلقة الدلالة، كما يفهمها الكثيرون، ويستشهدون بها في غير موضعها.