الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ كۤهيعۤصۤ } * { ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ } * { إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } * { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِيَ مِن وَرَآءِى وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً } * { يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً }

كاف. ها. يا. عين. صاد. هكذا تُقرأ. وهي تنبيه للسامعين، وتوجيه لنظرهم. وهَن العظم مني: ضعف ورقّ من الكبر. اشتعل الرأسُ شيبا: صار الشيب كأنه نار، والشَّعر كالحطب، والمقصود أن رأسه شابَ من الكبر. ولم اكنْ بدعائك ربِّ شقيا: وكنت بدعائي لك سعيدا غير شقي، فإنك كنتَ تستجيب لي دائما. الموالي: أقارب الرجل. من ورائي: من بعد موتي. عاقر: لا تلد، ويقال للرجل والمرأة عاقر. وليّا. وراثا. رضيّا: مرضيّا عندك.

ذُكر زكريا في القرآن الكريم ثمان مرات: في سورة آل عمران، والانعام، ومريم والأنبياء. ولم يذكر نسب زكريا في القرآن، ولا في كتب الأنبياء عند اهل الكتاب. وكل ما هو معروف أنه من وَلَدِ سليمان بن داود، وكان زوجاً لخالة مريم. وذكر في حديث المعراج ان زكريا ويحيى ابنا خالةٍ وعلى هذا يكون ذلك تجوُّزا.

ويحيى بن زكريا عُرف عنه الصلاح وطلبُ العلم منذ صباه، فكان يقضي أكثر أوقاته في البريّة يعيش على العسَل والجراد، حتى حصل على رتبة عالية في الشريعة الموسوية، وأصبح مرجعا مهماً لكلِّ من يَستفتي في أحكامها. { وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً }.

وكان يحيى على أكملِ أوصاف الصلاح والتقوى، وقد نُبّىء قبل الثلاثين، وكان يدعو الناس الى التوبة من الذنوب، وكان يُعَمِّدُهم في نهر الأردن للتوبة من الخطايا. وهو الذي عمَّدَ المسيح واسمه عندهم " يوحَنّا المَعْمَدان ".

وكان حاكمُ فلسطين في زمنه " هيرودس " وكانت له بنت أخٍ يقال لها " هيروديا " كانت بارعةَ الجمال، فأراد عمُّها ان يتزوجها. وكانت البنت موافقةً وكذلك أمها، غير ان يحيى لم يرضَ عن هذا الزواج لأنه محرَّم. فاخذت الأُم ابنتَها الى مجلس عمِّها وجعلتها ترقص له، وقالت لها: إذا عَرَضَ عليك شيئا، فاطلبي رأس يحيى. ففعلتْ. ووفّى لها عمّها الحاكمُ بذلك.. قتل يحيى وأحضر لها رأسه على طبق. وبعد ان قُتل يحيى أخذ المسيحُ يَجْهَرُ بدعوته، وقام في الناس واعظاً.

{ ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ.... }.

نقصّ عليك أيها الرسول خَبَر رحمتِنا لعبدِنا زكريا حين دعا ربَّه في خفيةٍ عن الناس، فقال: ربِّ إني قد ضعُفت، وشابَ رأسي، وإنك يا ربّ تمنُّ عليَّ دائما وتستجيب دعائي. لذلك فإني سعيدٌ بدعائي لك، ولم أكن به شقيا. لقد خِفتُ بعد موتي ألا يحسن أقاربي القيامَ على امر الدين، وامرأتي عاقر لا تلد، فارزقْني من رحمتِك وفضلِك غلاماً يخلُفُني في قومي، اجعله يا ربّ يرثني في العلم والدِين، ويرِث من آل يعقوب واجعلْه يا رب بَرّاً تقيا مرضيا عندك وعند خلقك. والمراد بالوراثة هنا وراثةُ العلم والدين، لأن الأنبياء لا يُوَرّثِون مالاً ولا عقارا.

قراءات:

قرأ ابو عمرو والكسائي: يرثْني ويرثْ من آلِ يعقوبَ بجَزْمِ الفِعلين.