الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } * { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } * { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } * { قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً } * { آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } * { فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً } * { قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً } * { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً }

السدين: الجبلين. خَرْجا: اجرة من اموالنا. ردما: حاجزا. زبر الحديد: قطع الحديد، المفرد زبرة. الصدفين: واحدها صدف: جانب الجبل. قطرا: نحاسا مذابا، او رصاصا. ان يظهروه: ان يرقوا عليه ويجتازوه. دكَّاء: مهدوما مستويا مع الارض. نفخ في الصور: الصور: قرنٌ ينفخ فيه فيحدث صوتا عاليا.

{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }.

وهذه رحلة ذي القرنين الثالثة فلما وصل الى مكان بعيد بين جبلين وجد هناك قوما لا يفهمون ما يقال لهم لغرابة لغتهم وجهلهم. ويقال ان الجبلين المذكورين عند مدينة دربند، بالقرب من مدينة ترمذ حيث يعرف بباب الحديد.

{ قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىٰ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً }.

قال المجاورون لهذين الجبلين لذي القرنين انه يوجد اناس مفسدون في الارض وهم يأجوج ومأجوج، ويقال انهم التتر والمغول، وكانوا يغيرون على الأمم المجاورة لهم فيفسدون ويدمرون، ولذلك توسل المجاورون الى ذي القرنين ان يجعل بينهم وبينهم سدا.

ولذلك أجاب طلبهم بانه بحول الله وقوته سيبني هذا السد، وشرع فيه وقال لهم: أعينوني بما تقدرون عليه من رجال وادوات احققْ لكم هذا الطلب و { أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }. وطلب منهم ان يمدوه بقطع الحديد، فاقام سدا عاليا ساوى به بين حافتي الجبلين، ثم امر ان يوقدوا نارا حتى انصهر الحديد فصب عليه النحاسَ المذاب، فاصبح سدا منيعا. ويقول الخبراء الذين زاروا تلك المنطقة: ان هذا السد موجود الآن ويُعرف بسد دربند، وطوله 50 ميلا وراتفاعه 29 قدما، وسمكه عشرة اقدام، وتتخلله بعض الأبواب الحديدية، وفي اعلاه برج للمراقبة.

{ فَمَا ٱسْطَاعُوۤاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً }.

فما استطاع يأجوج ومأجوج ان يجتازوه، ولا ان ينقبوه لصلابته.

وبعد ان أتم ذو القرنين بناء السد، قال شاكرا لله:

{ قَالَ هَـٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً }.

ان هذا السد من رحمة الله بكم، وسيظل قائما حتى يسويه بالارض، وان امر الله نافذ لا محالة.

وهذا النص لا يحدد زمنا معينا لخروج يأجوج ومأجوج، ففي سورة الانبياء { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ... } فمن الجائز ان تكون هي غارات المغول والتتر التي دمرت ملك العرب بتدمير الخلافة العباسية على يد هولاكو، ويكون هذا تصديقا للحديث الصحيح الذي رواه الامام احمد " عن زينب بنت جحش قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر الوجه وهو يقول:

ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا. وحلّق باصبعيه السبابة والابهام. قلت: يا رسول الله انهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم اذا كثر الخبث ".


السابقالتالي
2