الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً } * { وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً }

لا مبدل لكلماته: لا مغير لأحكامه. ملتحدا: ملجأ. واصبر نفسك: احبسها. بالغداة والعشي: في الصباح والمساء. يريدون وجهه: يطلبون رضاه. فرطا: مجاوزاً للحد. أعتدنا: هيأنا، اعددنا. السرادق: الخيمة، الفسطاط. كالمهل: خثارة الزيت، المعدن المذاب. مرتفقا: متكأ.

بعد ان ذكر الله قصة اهل الكهف، وبين ان هذا القرآن يقص الحق، لأنه وحي من علام الغيوب، أمَرَ بالمواظبة على تلاوته ودرسه، وبيّن في هذه الآيات الكريمة، ان القيم الحقيقية ليست هي المالَ، ولا الجاه، ولا السُّلطة، ولا لذائذ الحياة ومتعها - فانها كلّها قيم زائفة - وان الاسلام لا يحرِّم الطيب منها، ولكنه لا يجعل منها غاية الحياة، فمن شاء ان يتمتع بها فليتمتع، ولكن لِيذكُرِ الله الذي انعم بها، وليشكرْه على نعمه بالعمل الصالح.

{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً.. }

اتلُ ايها الرسول الكتابَ الذي اوحي اليك، والزم العمل به، واتّبع ما فيه من احكام وتعليم وتأديب. ولا يستطيع أحدٌ ان يغيّر او يبدّل ما فيه، وليس لك ملجأٌ الا الله، فإليه المرجع والمآب.

{ وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }.

احتفظ بصحابتك ايها الرسول، الذي يعبدون اللهَ وحده في الصباح والمساء، يطلبون رضوانه، وهم فقراءُ الصحابة مثل: عمار بن ياسر، وصهيب، وبلال وغيرهم، فقد رُوي ان عُيَيْنَةَ بن حصن الفَزاري والأقرعَ بن حابس وغيرَهم - جاءوا الى الرسول الكريم، وطلبوا منه ان يبعد هؤلاء الفقراءَ من الصحابة ليحادثوه ويسْلموا. فنزلت. ويقال إن أشرافَ قريش هم الذين طلبوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره الله تعالى ان لا يتخلّى عن اصحابه، ولا يلتفت إلى هؤلاء وما عندَهم من قوةٍ وجاهٍ ورجال، فاللهُ أكبرُ من كل ما عندهم. وهذا الأصح لأن السورة مكية.

ثم امره بمراقبة أحوالهم ومجالسِهم فإن فيهم الخير فقال:

{ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا.. }.

ولا يتحول اهتمامُك عنهم إلى مظاهر الحياة التي يستمتع بها أصحاب الزينة، فهذه زينةُ الحياة الدنيا الزائلة.

ثم اكد هذا النهي بقول: { وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }.

لا تطع هؤلاء المتكبرين فيما يطلبون من تمييزٍ بينهم وبين الفقراء، وطردِهم من مجلسك. فهؤلاء قد أغفلْنا قلوبَهم عن ذكرنا، واتجهوا الى ذواتهم وإلى لذّاتهم، وشغلوا قلوبهم بزخرف الدنيا وزِينتها، وصار أمرُهم في جميعِ أعمالهم بعيداً عن الصواب. ولقد جاء الاسلام ليسوّي بين الناس امام الله، فلا تفاضلَ بينهم بمال ولا نسبٍ ولا جاه.

قراءات:

قرأ ابن عامر: " بالغدوة والعَشِيّ " والباقون: " بالغداة والعشي ".

السابقالتالي
2