الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } * { لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ } * { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ } * { لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } * { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ }

الذكر: القرآن. منظرين: مؤخرين. في شيع: في جماعات مفرده شيعة. نسلكه: ندخله. يعرجون: يصعدون. سكرت: سدت ومنعت من الابصار. بروجا: منازل الشمس والقمر. شهاب: شعلة من نار، والشهبُ ما ترى ليلا تتساقط من السماء.

{ وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ }.

وقال بعض كفار قريش مستهزئين بالرسول الكريم: يا أيّها الرجلُ الذي زعم أنّه نُزّلَ عليه القرآن إنك لمجنون.

وقال " مقاتِل ": إن الذين قالوا ذلك هم: عبدُ الله بن أمية، والنضرُ بن الحارث، ونوفل بن خُويلد، والوليدُ بن المغيرة من زعماء قريش.

{ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }.

إن كان ما تدّعيه حقاً وقد أيَّدك اللهُ وأرسلك، فلماذا لا تسأل اللهَ ان يُنزِل معك ملائكةً من السماء يشهدون بصِدق نبوَّتِك؟ ويتكرر طلبُ نزول الملائكة في هذه السورة وغيرها مع الرسول الكريم ومع غيره من الرسل.

وقد أجاب الله تعالى على ذلك التهكُّم والاستهزاء، بأن الملائكة لا تنزِلُ على الرسول إلاّ لهلاكِ المكذِّبين من قومه حين ينتهي الأجلُ المَعلوم فقال:

{ مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ }.

إنّنا لا نُنزل الملائكةَ إلاّ عندما نقرِّر أمراً له أهميته، ويكون قد مضى الأجلُ وحقَّ القولُ على الكافرين، ولو أنزلْنا الملائكةَ لأهلكنا أولئك الكافرين، ولم يكونوا مؤخَّرين.

قراءات:

قرأ حمزة والكسائي وحفص " ما ننزل الملائكة " بنونين وبنصب الملائكة. وقرأ ابو بكر " ما تنزل الملائكة " بالتاء والفعل يبنى للمجهول ورفع الملائكة. وقرأ الباقون: " ما تنزل الملائكة " بفتح التاء ورفع الملائكة.

ثم أجابَ الله تعالى عن إنكارِهم تنزيلَ القرآن واستهزائهم بالرسول الكريم بقوله:

{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }.

ان هذه من الآيات الجلية، والقرآن كلّه جليل عظيم، وفيها تحدّ كبير لكل معاند، وطمأنينةٌ للمؤمنين. فالله سبحانه وتعالى يمنُّ علينا بأن هذا القرآن من عنده، وهو حافظٌ له، لم يَكِلْ حِفظه لغيره، فهو ذِكرٌ حيٌّ خالد مصون من التحريف والزيادة والنقصان، وهو باقٍ محفوظ لا يندثر ولا يتبدّل. والتحدي قائمٌ لكل معاند.

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.

ولا تحزن أيها الرسول، فقد أرسلنا قبلك رسُلاً إلى أُممٍ قد مضت، وما أتى رسولٌ أمةً إلا كذّبوه واستهزأوا به. وفي هذا تسليةٌ للرسول الكريم عما أصابه من سَفَهِ قومه، بأن هذا دأبُ الأمم المكذِّبة لِرُسُلها من قبل.. فلقد أصابهم مثلُ ما أصابك، وقد نَصَرْنا رسُلَنا وسننصرك انت والمؤمنين، فَطِبْ نَفْساً، ولا يَضِيقنَّ صدرُك بما يقولون.

{ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ }.

السابقالتالي
2