وهذه محنة يوسف الثانية: لقد افتتنت امرأة العزيز بجماله، فأَشعل ذلك في نفسها جذوة الحب، فراودته عن نفسه، فأبى، وحاولت اغراءه بشتّى الطرق، حتى همت بمخالطته، ومال اليها بمقتضى الطبيعة البشرية - ولكنه رأى في سريرة نفسه ما جعله يمتنع عن المعصية والخيانة، وثبت على طُهره وعفافه. بذلك صرف الله عنه سوء الخيانة والمعصية، وظل هو من عباد الله الذين أخلصوا دينهم له. وهرب منها.. فلحقت به عند الباب، وتعلقت بقميصه فشقته من خَلف. وفي تلك الأثناء جاء سيّدها. وصادف الحادث وهو يهمُّ بالدخول ومعه ابن عمها. فلما رأت زوجها ارادت ان تشفيَ غُلَّ صدرها وحنقها على يوسف لما فاتها من التمتع به، فقالت لزوجها: { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }. لقد ارادت ان توهم زوجَها أن يوسف قد اعتدى علهيا، وطلبت منه ان يسجِنه أو يعذّبه عذابا اليما. وهنا وقف يوسف وجهر بالحقيقة في وجه الاتهام الباطل، فقال: { قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي } ، لا أنا الذي فعلت. لقد حاولتْ ان تخدعني وتوقعني في المعصية. فقال ابن عمها: ان كان قميصه شُقّ من أمام، فقد صدقت وهو من الكاذبين، وان كان فميصه شُقّ من الخلف، فقد كذبت في قولها، وهو من الصادقين. فلما رأى الزوج قميص يوسف تمزّقَ من خلْفٍ، قال لزوجته: ان اتهامك له باطل، وما الأمر الا من كيدكن معشر النساء، إن كيدَكن عظيم. ثم التفت الى يوسف، وقال له: يا يوسف، أعرِض عن هذا الأمر، اكتمه ولا تذكره أبداً. وقال لزوجته: اما انتِ فاستغفري لذنبك من هذا العمل الخطأ. وانتهى الامر الى هنا، ولم يوقع العزيزُ أية عقوبة على يوسف، لتأكده من براءته. قراءات: قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر ويعقوب: " المخلصين " بكسر اللام والباقون: " المخلَصين " بفتح اللام كما هو في المصحف.