الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ القطان (ت 1404 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

أصل الذوق: ادراك الطعم بالفم، ومعنى " اذقنا الناس رحمة ": اعطيناهم صحة ومالا ونعمة. المراد بمكر الله: تدبيره الخفي. الفلك: السفن يطلق على الجمع والواحد. بريح طيبة: موافقة، مريحة سهلة، ريح عاصف: شديدة مهلكة. احيط بهم: هلكوا.

بعد ان ينتهي الكتاب من عرض ما يقول المشركون وما يعترضون به ويطلبون، يعود الى الحديث عن بعض طبائع البشر، حين يذوقون الرحمةً والنِعم بعد الضّرِ، كما تحدّث من قبل عنهم حين يصيبهم الضرُّ ثم ينجُون منه. ويضرب لهم مَثَلاً مما يقع في الحياة بصدق ذلك.

{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا }.

عجيبٌ أمرُ هذا الانسان لا يذكُر اللهَ إلا ساعة العسرة، فاذا أنعمنا على الناس من بعد شدةٍ أصابتْهم في أنفسهم او أهليهم وأموالهم، لم يشكروا الله على ما أنعمَ به، بل تجدهم يقابلون ذلك بالإصرار على التكذيب والكفرِ بالآيات.

{ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ }.

قل لهم أيها الرسول: إن الله أقدرُ على التدبير وإبطال ما يمكرون، وأن الحَفَظَةَ من الملائكة الموكّلين بكم يكتبون اعمالكم سيحاسبكم الله عليها ويجازيكم بها.

قراءات:

قرأ يعقوب: " ما يمكرون " بالياء، وبالباقون " ما تمكرون " بالتاء.

ثم ضرب الله مثلاً من أبلغِ أمثال القرآن الكريم في صورة حيَّة كأنها واقعةٌ يشاهدها الناس، وتتبعها المشاعر ليَظْهَر لهم بهذا المثَلِ ما هم عليه فقال:

{ هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }.

ان الله الذي تكفُرون بِنِعمِه وتكذّبون بآياته، هو الذي وهبكم القدرةَ على السَّير والسعي في البر مشاةً وركبانا، وفي البحر بما سخّر لكم من السفُن التي تجري على الماء والطائرات التي تسير في الهواء. حتى إذا كنتم في الفُلك التي سخّرها لكم، وجَرَت بكم تدفعُها ريح طيّبة اطمأنتم اليها وفرحتم بها - هبّت ريح شديدة أثرات عليكم الموجَ من كل جانب، وأيقنتم أن الهلاكَ واقع لا محالة، ولا تجدون ملجأً غيرَ الله. عند ذلك تدعونه مخِلصين له الدّعاء موقنين أنه لا منقذّ لكم سواه، ومتعهدين بأن تكونوا من الشاكرين إن انجاكم من هذه الشدة.

{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }.

هذه تكملة للصورة. فلما أنجاهم اللهُ مما تعرّضوا له من الشدّة والهلاك، نقضُوا عهدَهم، وعادوا بيغون في الأرض ويفسدون بغير الحق.

قراءات:

قرأ ابن عامر.

السابقالتالي
2