{ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفراُ وَنِفَاقاً } من عرب الحضر ومن كفار العجم الحضريين لغلظ قلوبهم وجفائهم وإِبائِهم عن الانقياد وعدم مخالطتهم أَهل الأَدب والمعرفة والشرع، وتوحشهم، وقويت قسوتهم باستيلاءِ الهواءِ اليابس الحار عليهم، وأَهل الحضر يحتقرون أَهل البدو لجفائِهم وجهلهلم حتى أَنه يأنف الحضرى من العرب أَن يقال له أَعرابى، ولكن كثيراً ما يترفع البدوى بإِبائِه عن الانقياد على الحضرى وبمزيد شجاعة وكرم ومن ذلك قوله:
هذا أَبو الصقر فردا فى محاسنه
من نسل شيبان بين الضال والسلم
وهما شجر فى البدو، والمفرد بياءِ النسب وهو عربى كرومى وروم وبربرى وبربر، وأَهل البدو من العجم لا يقال لهم أَعراب ولا عرب كما لا يقال لأَهل الحضر منهم عرب، والعرب سكان الحضر من أَهل العربية والأَعراب سكان البدو، وقيل أَعم، والكفر هنا الشرك الصريح والنفاق الشرك المضمر { وَأَجْدَرُ } أَحق وأَصله من الجدار وهو الحائط والجدير المنتهى لانتهاءِ الآخر إِليه انتهاءَ الشىءِ إِلى الجدار، واختار السمين من تلامذة أَبى حيان أَن اشتقاقه من الجدر بمعنى أَصل الشجرة كأَنه ثبت كثبوت أَصلها { أَلاَّ يَعْلَمُوا } أَى بأَن لا يعلموا { حُدُودَ مَآ أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ } من الفرائض فعلا وتركا ومادونها، والإِضافة للبيان أَى حدوداً هى ما أَنزل الله، أَو على ظاهره بمعنى مقادير ما أَنزل وأَعيانه أَى لا يضبطونه، ولو فرضنا أَنهم علموا، وذلك أَنهم لا يجاورون أَهل الحضر النازل فيهم الوحى الحافظين له والعلماء ولا نبوة فى البدو، وعنه صلى الله عليه وسلم: " من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل ومن أَتى السلطان افتتن " ، وعنه صلى الله عليه وسلم: " من الكبائر التعرب بعد الهجرة " ، أَى ينتقل من الحضر إِلى سكنى البدو، وذلك لجهل أَهله وقسوة قلوبهم { وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فهو يعلم حال أَهل الحضر والبدو ويجازيهم بما هو العدل من عقاب وثواب، وما ذكر فى أَهل البدو ليس على عمومهم فقد قال:{ ومن الأَعراب من يؤْمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ } [التوبة: 99] الآية.