الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ يَعْتَذِرُونَ } فى القعود، والمضارع لحكاية الحال الماضية وإِن نزلت الآية قبل دخول المدينة فالمضارع للاستقبال { إِلَيْكُمْ } إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإِلى الصحابة { إِذَا رَجَعْتُمْ } من غزوة تبوك { إِلَيْهِمْ } وهم بضعة وثمانون رجلا، اعتذروا حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَصحابه فى المدينة أَو قبلها أَو بعض فيها أَو بعض قبلها، وقيل نزلت فى عبدالله بن أُبى وله شيعة حلف أَن لا يتخلف أَبداً عن غزوة ونقض فلم يرض صلى الله عليه وسلم بعد { قُل } لم يقل قولوا كما قال إِليكم لأَنه صلى الله عليه وسلم هو الذى يقول لهم { لاَّ تَعْتَذِرُوا } بالأَعذار الكاذبة، وليس عندكم عذر صادق فإِن هذا ذنب آخر لانفع لكم فيه { لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ } لن نذعن ولن نصغى لكم فى اعتذاركُمْ، وبين موجب ذلك وعلته بقوله { قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } أَعلمنا بعضاً من أَخباركم المحرمة كالتكذيب بالنبوة وما ستره الله أَكثر وما استقصى كريم قط، وأَجاز الأَخفش زيادة من فى الإِثبات والتعريف، فيكون المعنى قد نبأَنا الله أَخباركم، ويجوز أَن يكون نبأَ تعدى الثالث تقديره كذباً أَو نحوه من أَعمال الجارحة واعتقاد الباطل { وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } سيعلم الله عملكم المستقبل أَهو التوبة أَم الإِصرار، وهو عالم به بلا أَول لعلمه، لكن ساق لهم الكلام مساق الإِمهال والاستتابة، أَو المراد عملهم السوءُ وأَنه سوف يعلمه عما يتعلق به الجزاءُ، ويجوز أَن يكون المعنى سيعذبكم فى الدنيا لأَن العلم بالشىءِ سبب للعقاب عليه وملزوم له، وذكر عذاب الآخرة فى قوله { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } يعاقبكم بعملكم أَو بما كنتم تعملونه، والإِخبار بما يوجب العقاب كناية عن العقاب بالتوبيخ والعذاب. وإِنما قال ينبئكم مع أَنهم عالمون بما عملوا لأَنهم قد ينسونه أَو بعضه، أَو ذلك من لازم الفائدة كما تقول لمن علم بقيام زيد قام زيد ليعلم أَنك عالم بقيامه، وهذا كما وضع الظاهر موضع المضمر فى قوله عالم الغيب ومقتضى الظاهر ثم تردون إِليه فينبئكم بما كنتم تعملون ليعلموا أَنه تعالى عالم بسرهم كعلنهم فلا يفوت عذابهم وهذا أَشد عليهم.