الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } * { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ }

{ فَرِحَ المُحَلَّفُونَ } الاثنا عشر الذين خلفوا أَنفسهم أَو خلفهم الله أَو خلفهم الشيطان عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الغزو، أَو خلفهم الكسل أَو النفاق أَو النبى صلى الله عليه وسلم إِذ طلبوا التخلف فأَذن لهم فيه { بِمَقْعَدِهِمْ } بقعودهم عن غزوة تبوك { خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ } أَى خلفه، يقال خلف كذا وخلافه بمعنى، وهو متعلق بمقعد أَو مصدر بمعنى الوصف أَى مخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أَو يقدر ذوى خلاف له وهو حال، ويجوز أَن يكون مفعولا مطلقاً لمقعد وهو مصدر، فإِن التخلف عنه قعود عنه، كقمت وقوفاً أَو مفعولاً من أَجله أَى لأَجل خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناصب فرح { وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ } لميل الطبع إِلى الراحة والقعود مع الأَهل والولد والحياة، إِذ لم يعالجوا أَنفسهم إلى ما فعل المؤْمنون من دخول المشقة ومفارقة الأَهل والمال والولد وبذل أَموالهم وأَزواجهم لرضى الله عز وجل، ففى الآية تلويح بمدح المؤمنين بأَنهم رضوا ذلك ولم يكرهوا. { وَقَالُوا } للمسلمين على وجه ادعاء النصح أَو لضعفاءِ المسلمين أو قال بعض لبعض. { لاَ تَنْفِرُوا } إِلى الجهاد { فِى الحَرِّ } كانت غزوة تبوك فى زمان شدة الحر مع القحط وبعد المسافة وخوفهم من شدة قتال الروم { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا } من حر السفر إِلى تبوك، وكان الواجب أَن يقوا أَنفسهم به عن حر جهنم، ولكن اختاروا حر جهنم عنه بالمعنى للمخالفة { لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } أَى لو كانوا يعلمون بجهنم وأَشدية حرها لم يختاروا عدم الخروج. { فَلْيَضْحَكُوا } الفاءُ لسببية ما سبق للإِخبار بالضحك والبكاءِ لا لنفسهما { قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً } أَى زمناً قليلا وزمنا كثيراً أَو ضحكاً قليلا وبكاءً كثيراً، والضحك فى الدنيا والبكاءُ فى الآخرة، ويروى أَن المنافقين يكونون فى النار قدر عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم. وقيل: كلاهما فى الدنيا كحديث: " لو تعلمون ما أَعلم لضحكتم قليلا وبكيتم كثيراً " ، ولا يخفى أَن الدنيا وما فيها بالنسبة للآخرة ولو مع غاية الكثرة والمنقطع الفانى، مثل العدم بالنسبة للدائم، وإِن شئْت فالضحك أَيضاً فى الآخرة، وعليه فالقلة العدم كما يطلق الكثرة على الكل فلا ضحك لهم فى الآخرة، ويجوز كون الضحك والبكاءِ كناية عن الفرح والحزن لا حقيقتهما، ولام الأَمر للتأْكيد، والمراد الإِخبار بأَنهم ضحكوا فى الدنيا قليلا ويبكون فى الآخرة كثيراً، فإِن الأَمر لا يتحمل الكذب كما لا يتحمل الصدق، ألا ترى إلى قوله تعالى: كن فيكون، بصيغة الأَمر، وأَمر المطاع لا يتخلف، والأَمر للوجوب فناسب التعبير به فكأَنه قيل لا بد من ضحكهم قليلا وبكائِهم كثيراً، فتارة ذلك وتارة يستعمل الخبر بمعنى الأَمر لتحقق الوقوع كأَنه وقع فأَخبر عنه، والمراد بكثرة ما فى الأَمر ما لا نهاية له.

السابقالتالي
2 3