الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

{ الْمُنَافِقُونَ } ثلاث مائة { وَالمنَافِقَاتُ } مائة وسبعون، قل فى النساءَ لقلة ملاقاتهن للنبى والناس وإِلا فهن ناقصات عقل ودين، أَو كثر فيهن حتى كان فى النساءِ اللاتى من شأَنهن لا يلاقين { بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ } كأَنه خلق كل واحد من الآخر، وهذا لا يتصور إِلا أَن المراد لازمه وهو التشابه فى النفاق. ويقال: أَنا منك وأَنت منى أَى أَمرنا واحد، وأَيضاً كأَنهم أَعضاء إِنسان يشبه بعضها بعضاً، أَو كأَنه خلق ذاك من ذلك، لا ذلك من ذلك، بمعنى أَن القوى فى النفاق خلق منه من هو دونه فيه أَو دين بعض مأْخوذ من بعض. والاتصال الدالة عليه من الابتدائية معتبر بالنفاق وما فى بعض منه ناشىءٌ من بعض، وذلك نقض لقولهم إِنهم لمنكم مضادون للمؤمنين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، كما قال { يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ } الشرك، وسائر الذنوب الكبار والصغار، وذكر بعضٌ أَن كل منكر ذكر فى القرآن فهو عبادة الأَوثان والشيطان، وليس كذلك، بل أَعم وقد يقتضى المقام خصوصاً { وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ } التوحيد وسائر الطاعات الواجبة وغير الواجبة، وحذف المفعول للعموم أَى يأْمر بالمعصية بعضهم بعضاً، ويأْمرون من ضعف إِيمانه ومن غفل من أَهل الشرك أَو المعاصى، ومن خافوا منه التوبة، وكذا فى النهى عن المعروف والضمائر للرجال والنساءِ، المنافق من المنافق ومن المنافقة، والمنافقة من المنافقة ومن المنافق، وتأْمر وتنهى غيرها من الذكور والإِناث ويأْمر غيره كذلك وينهى { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } لا يمدونها بالإِنفاق الواجب والمستحب، وذلك كناية عن الشح، كما أَن بسطها كناية عن الجود مطلقاً لأَن الإِنفاق يتصور أَيضاً بلا مد يد مثل أَن تقول خذ من مالى كذا، أَو هو لك { نَسُوا اللهَ } تركوا توحيده وطاعته وضع النسيان لترك الشىءِ ولذهابه عن الحافظة بعد كونه فيها، وعلى فرض أَنه موضوع لذهابه عنها يكون هنا مجازاً استعمالا فى اللازم فإِن من ذهب عن حافظته شىءٌ بتركه { فَنَسِيَهُمْ } ترك رحمتهم والإِحسان إِليهم لاختيارهم الخذلان { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ } بإِضمار الشرك وتوابعه، ودخلت المنافقات فى المنافقين، أَو حذف لفظ المنافقات للعلم به { هُمُ الْفَاسِقُونَ } الكاملون فى الخروج عن الطاعة فإِن غيرهم من أَصحاب الكبائر غير الشرك من المشركين صراحاً دونهم فى الكمال لقوله تعالى:إِن المنافقين فى الدرك الأَسفل من النار } [النساء: 145] أَى إِن المنافقين بإِضمار الشرك، والحصر باعتبار الكمال، وإِلا فقد كثر الفاسقون غيرهم، وأَما المؤمنون فلا يتصفون بالفسق، وفسق هؤلاء المنافقين دون فسقهم، ومقتضى الظاهر أَنهم هم الفاسقون، وأَظهر لزيادة التقرير وللإِهانة، فإِن فى ذكرهم بالنفاق ما ليس فى ذكرهم بالضمير، أَو المراد مطلق المنافقين، وعلى كل حال المراد ما يشمل المنافقات.