الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ } انقضت، وأَصل الانسلاخ انتزاع الشئ عما لابسه كانسلاخ الجلد عن الشاة شبه تكون الناس من أَول الشهر إِلى تمام نصف الشهر شيئا فشيئا بالدخول فى اللباس حتى يتم لبسه، وكنى عن ذلك بلازمه وهو الانسلاخ الموضوع للانتزاع. وهو هنا مستعار للتجرد عن الشهر شيئا فشيئا حتى يتم، والمراد بالأَشهر الحرم شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وسمى شوال شهرا حراما تغليبا وسهل التخريج على ذلك أَن الانسلاخ جاءَ على آخر الثالثة التى هى شهور حرم، أَو المراد عشرون من ذى القعدة إِلى تمام عشرة من ربيع الأَول، أَو عشرون من ذى الحجة إِلى تمام عشرة من ربيع الثانى، وسمى الكل حرما تغليبا، أَو كحرمة القتال فيها فى ذلك العام فقط، وأَل على ذلك كله للعهد منظوراً فيه إِلى قوله أَشهر مع زيادة أَنها حرم، وقيل: المراد رجب وذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، وهو الأَنسب بحسب الظاهر، لأَنهن المشهورة بالأَشهر الحرم، ولأَن لفظ النكرة إِذا أُعيد آخر كان غير الأُولى، وقد زيد هنا قيد الحرم فهن غير المذكورة فى قولهفسيحوا فى الأَرض أَربعة أَشهر } [التوبة: 2] لكن يقتضى بقاء تحريم القتال فى رجب وذى القعدة وذى الحجة والمحرم بلا نسخ، لأَن المفهوم إِذا لم ينسلخن فلا قتل، كلما كن فلا قتل، وكلما انسلخن كان القتل. وذلك أَنه لا ناسخ لهذا الاستمرار لو ثبت مع أَنهم اتفقوا إِلا قولا ضعيفا على أَنه يحل القتال فيهن، فالصواب أَن الأَشهر الحرم هى قوله أَربعة أَشهر، وهن شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، على ما اختاره بعض، أَو ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، فإِذا انسلخن حل القتال أَبدا فيهن وفى غيرهن بعد، ولا يخفى أَن المراد هذه الأَشهر من هذه السنة خاصة لا هذه الأَشهر فى كل سنة لأَن الآية بعيدة عن هذا ولا يتبادر منها هذا، أَو الترتيب بالفاء يأبى هذا أَيضا، ولأَنه مخالف للسياق الذى يقتضى توالى هذه الأَشهر حتى قيل إِنه مخالف للإِجماع على أَن هذه الأَشهر يحل فيها القتال: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، والحق أَنه لا إِجماع على حل القتال فيها بل قد قيل ببقاءِ حرمته إِلا إِن قاتلوا، وعلى النسخ يكون النسخ آية السيف التى نسخت العفو والصفح والإِعراض والمسالمة، وقال ابن حجر: قاتلوا المشركين كافة، وقيل هما، وقيل: الناسخ الإِجماع، ووجهه أَن الإِجماع إِنما يحصل بحجة من القرآن أَو الحديث ولا نعلم بها، إِلا أَنك قد علمت أَنه لا إِجماع، { فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } فى حل أَو حرم، وفى كل زمان أَيضا أَبدا لأَن عموم المكان يوجب عموم الزمان وبعكس ذلك عند الإِطلاق { وَخُذُوهُمْ } ائسروهم للاسترقاق، أَو لتروا فيهم رأيكم، وأَما الفداء فجاء بعد الإِثخان، وقيل: لا تسترق العرب، كما لا تؤخذ منهم جزية، وللإِمام قتل الأَسرى { وَاحْصُرُوهُمْ } عن أَن يتصرفوا فى البلاد لتجر أَو غيره، وعن المسجد الحرام، وفى قرية إِن تحصنوا فيها { وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } فى كل موضع رصد، أَى موضع مراقبة، وهو موضع سلوكهم ليلا ينبسطوا فى البلاد فتضيق صدورهم فيسلموا، ونصب كل على الظرفية لاقعدوا، وفيه دليل جواز نصب اسم المكان الميمى بغير ما يوافقه لفظا ومعنى لأَن نصب كل على الظرفية فرع نصب مرصد الذى هو اسم مكان ميمى عليها، وقال الأَخفش منصوب على تقدير على، وضعفوه، ومثل على فى وهى أَولى من على إِذ هى للظرفية ولعل داعيه لذلك عدم الموافقة المذكورة، وقيل: يجوز لموافقة المعنى ولو اختلف اللفظ، فإِن القعود والرصد من معنى واحد وهو قول حسن، تدل له الآية، نحو قعدت مجلس عمرو، وتلك الأَوامر للإِباحة، ولا يجوز الخروج عن جميعها، اللهم إِلا بالفداءِ أَو الإِطلاق بحسب نظر الإِمام بعد نزول جوازهما { فَإِنْ تَابُوا } من الإِشراك إِلى التوحيد، { وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } وصاموا رمضان وأَدوا الفرائض.

السابقالتالي
2