الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ }

{ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ } معك إلى الجهاد { لأَعَدُّوا } هيئوا { لَهُ } للخروج { عُدَّة } وخرجوا، والعدة المئونة، أَى مئونة تليق به من سلاح ومركوب وزاد ونحو ذلك { وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ } هذا الاستدارك متعلق بقوله { لأَعَدُّوا } باعتبار إِثباته بإثبات إِرادة الخروج لو ثبتت، أَى لو أَرادوه وأَعدوها لخرجوا فى زعمهم، لكن لا يخرجون فى قضاءِ الله، وكراهة الله انبعاثهم سبب ولمزوم لعدم خروجهم أَو متعلق بقوله لو أَرادوا الخروج، أَى لكن ما أَرادوه، فعبر عن قوله لكن ما أَرادوا بقوله ولكن كره الله، لأَن كراهته سبب وملزوم لعدم إِرادتهم، أَو المعنى ما تركوا العدة بأَنفسهم تحقيقا بل لخذلان الله تعالى وكراهته، فلم تقع لكن بين متفقين فإِنها لا تقع بينهما، بل بين ضدين أَو نقيضين أَو مختلفين، والانبعاث انبعاث عن بعث النبى صلى الله عليه وسلم لهم، أَى ولكن كره الله توفيقهم إِلى المطاوعة { فَثَبَّطَهُمْ } حبسهم عن الخروج بالجبن والركون إِلى الراحة والتخويف من شدة قتال الروم، وذلك خذلان لا إِجبار، ويجوز أَن يكون محط الاستدراك هو قوله { فثبطهم } أَى لأَعدوا له عدة، ولكن ثبطهم عن الإِعداد بخذلانهم عن إِرادة الخروج، وذلك كما يفيد الخبر بتابعه نحو زيد رجل صالح، وأَيضا وكأَنه قيل ما خرجوا أَو ما أَعدوا لكن ثبطوا كما تقول: ما قام زيد لكن قعد، وما أَحسن زيد لكن أَسَاءَ، واتفاق ما بعد لكن وما قبلها جائز إِذا اختلفا نفيا وإِثباتا، وانتفاءُ إِرادة الخروج يستلزم انتفاءَ خروجهم وكراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج، وأَيضا أَنت خبير بأَن قضاءَ الله لا يرد، وقد قضى أَن لا يريدوا، فكراهته نفى لإِرادتهم ونائبة عنه، فكأَنه قيل: ولو أَرادوا الخروج لأَعدوا له عدة ولكن ما أَرادوا لأَن الله كره انبعاثهم، لما فيه من المفاسد، وإِنما عاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على إِذنه فى التخلف لهم مع أَن خروجهم مفسدة، لأَنه مكلف بالظاهر ولا يدرى غيب مفسدتهم وهى الخبال والضياع بالنميمة وإِظهار العدو على الأَسرار، ولأَنه أَذن لهم بلا إِذن من الله عز وجل { وَقِيلَ } أَى قال بعضهم لبعض أَو قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أَو قال لهم الله بالخذلان، أَى قدر عدم الخروج أَو قال الشيطان { اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ } من الصبيان والمجانين والبله والنساءِ والمرضى والهرمى، أَو ذلك قول من الله أمر توبيخ كقوله تعالىومن شاءَ فليكفر } [الكهف: 29] وقولهاعملوا ما شئْتم } [فصلت: 40] ولا ضعف فى قولك أَراد الله عدم خروجهم فقضى على رسوله أَن يأْذن لهم، أَو سلط عليهم الشيطان فوسوس لهم، والقاعدون هم من جاز له القعود، وأَمَّا من لم يجز لهم فهم هؤلاءِ المنافقون الذين تخلفوا، وفى القاعدين نقص مع أَنه أُبيح لهم، ولكن لا مؤاخذة ولنقصهم ذم المنافقين المتخلفين بمعصيتهم.