الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ }

{ انْفِرُوا خِفَافاً } شباباً ونشاطا وركبانا وفقراءَ. إِذ لا يعطلهم المال، أَو أغنياء إِذ وجدوا ما يسرعون به ومقللين السلاح وغير مشغولين وأَصحاء وعزابا ومتجردين من الأَتباع ومسرعين حال سماع الهيعة بلا تفكر { وَثِقَالاً } عكس ذلك. انفروا على أَى حال، ثم نسخ عن المرضى والزمنى والعمى ومن لا يقدر. أَو لعدم المال بقوله تعالى: " ليس على الضعفاء " إِلخ. وقيل بقوله " وما كان المؤمنون " إِلخ، لم يتخلف أبو أَيوب عن غزوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعده. فقيل له فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل ولا أجدنى إِلا خفيفاً أَو ثقيلاً، وخرج سعيد بن المسيب وهو أَعور فقيل: إِنك معذور. فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإِن لم يمكننى الحرب كثرت السواد، وحفظت المتاع، وقال صفوان بن عمرو والي دمشق لشيخ من أَهل دمشق خرجا على راحلته: إِنك يا عم معذور. فرفع حاجبين وقد سقطا على عينيه فقال: يا ابن أخى استنفرنا الله خفافا وثقالا، إِلا أَن يبتلى من أَحب، وقال ابن أُم مكتوم: يا رسول الله علىَّ أَن أَنفر؟ فقال: نعم، ما أَنت إِلا خفيف أَو ثقيل، فتقلد بسلاح ووقف بين يديه، فأَنزل الله عز وجل " ليس على الأعمى حرج ". { وَجَاهِدُوا بأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ } بما أَمكن بهما أَو بأَحدهما، وقد قيل الآية على الندب أَو هى من أَول الأَمر فى من أَمكن له القتال { فى سَبِيلِ اللهِ } فى إِعلاءِ دينه { ذِلِكُمْ } أى الجهاد { خَيْرٌ لَكُمْ } نفع وحسن فى الدنيا والآخرة، وتركه ضر وقبيح، أَو أَفضل مما تعدونه نفعا وحسنا من عدم الخروج له { إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَنه خير أَو أَنه من الله، فبادروا إِليه، وعاب المتخلفين المنافقين وقرر تثاقلهم فى قوله: { لَوْ كَانَ } أَى الجهاد الذى دعوتهم بقطع النظر عن كونه فى تبوك، فكأَنه عاد الضمير إِلى الجهاد على طريق التجريد لأَن الجهاد مع فرض أَنه فى تبوك، لا يتصور أَنه دونها أَو يقدر مضاف، أَى لو كان بدله { عَرَضاً } نفعا أَى ذا نفع من منافع الدنيا { قَرِيباً } سهل التناول، شبه سهولة التناول بقرب المكان على التجوز الاستعارى وقرب المكان سبب للسهولة على التجوز الإِرسالى { وَسَفَراً قَاصِداً } ذا سفر قاصد أَى ذا قصد، كلابن وتامر بمعنى ذى لبن وذى تمر، فقاصد لنسب أَى متوسطا بين القلة والكثرة يقصده كل أَحد تسمية للمتعلق بالفتح باسم المتعلق بالكسر، أَو القصد بمعنى التوسط حقيقة لا مجازاً، وعلى كل حال ليس بمعنى الإِرادة سمى المتوسط بين طرفى الإِفراط والتفريط ذا قصد { لاَتَّبَعُوكَ } إِليه ليأْخذوا العرض القريب من الغنيمة { وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ } منهم أَو لاستعلاءِ للمضرة { الشَّقَّةُ } أَى المسافة التى تقطع بمشقة، ولذلك سميت بالمشقة، ومن باب أَولى أَن يتبعوك لو قربت المسافة { وَسَيَحْلِفُونَ } لكم المتخلفون عن اتباعك { بِاللهِ } إِذا رجعت من تبوك، وهو موضع قرب دمشق فيما قيل، سمى باسم عين فيه، وهى العين التى أَمر صلى الله عليه وسلم أَن لا يمسوا منها حتى يأْتى فسبق إِليها رجلان، وفيها ماء قليل فجعلا يوسعانها بسهم، فقال صلى الله عليه وسلم ما زلتما تبوكانها أَى تحفرانها فسميت تبوك لذلك.

السابقالتالي
2 3