الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ إِتَّخَذُوا } أَى اليهود والنصارى { أَحْبَارَهُمْ } علماءهم، اتخذ اليهود أَحبارهم والنصارى أَحبارهم والمفرد حبر - بفتح الحاء وكسرها وإِسكان الباء وكسر الحاء - أنسب بالجمع، والفتح جائز فى مفرده فيما قيل. ولعلهم استغنوا بجمع المكسور، وإِلا فقياس المفتوح أَحبر - بضم الباء وإِسكان الحاء وفتح الهمزة - العالم حبر لأَنه يزين العلم ببيانه، أَو لأَنه يفرح الخلق، يقال: حَبَرهُ - بفتح الباء - يحبُره - بضمها، بمعنى حسنه أَو فرحه، ولا يسمى العالم فى العرب حبرا إِن كان من أَهل الكتاب مسلماً أَو مشركاً من نسل هارون. ومتى سمى العالم من غيرهم حبراً فتوسع. وأَصل المادة العموم، والمراد فى الآية بالأَحبار علماء اليهود، وقيل: العالم حبر، ولو من هذه الأُمة. كما يسمون ابن عباس الحبر وحبر الأُمة { وَرُهْبَانَهُمْ } عبادهم وهو من الرهبة بمعنى الخوف وهو مختص بعباد النصارى فى العرف. كانوا لا يتزوجون ولا يأْكلون اللذات، ويعتزلون ويشددون حتى أَن منهم من يخصى نفسه، ويضع السلسلة فى عنقه. فقال صلى الله عليه وسلم لذلك: " لا رهبانية فى الإِسلام " ، وقال: " كلوا وتزوجوا وانفعوا الخلق وجاهدوا " جمعت اليهود والنصارى فى واو اتخذوا، ورجعت أَحبارهم لليهود. ورهبانهم للنصارى على اللف والنشر المرتب باعتبار ذكر اليهود أَولا والنصارى ثانياً قبل ذلك. وأَما باعتبار الواو فلا ترتيب ولا لف. والهاء فى أَحبارهم وفى رهبانهم للنصارى، ويجوز كون الهاءَين للجموع { أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ } غير الله استلحاقاً به، فلم ينفعهم إِيمانهم به إِذ أَشركوا به غيره. أَو قوله من دون الله نفى له لأَن من جعل غيره إِلهاً فليس بمؤمن به، لأَن الإِيمان به إِفراده جل وعز { والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } أَضافه إِلى أُمه تنبيهاً على شدة حمقهم فى قولهم أَنه إِله أَو ابن إِله عطف على رهبانهم أَو على أَحبارهم، والعطف على رهبانهم ولو كان ثانياً، والواو لا ترتب لأَن الرهبان والمسيح لملة واحدة.. أَو يقدر: والمسيح ابن مريم إِلهاً أَو ربًّا عطفاً على معمولى عامل، وكان عدى بن حاتم رضى الله عنه نصرانيا، جاءَت به أخته من الشام هارباً إِليها. قال: أَتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى عنقى صليب من ذهب وهو يقرأ براءَة. فقال: " يا عدى اطرح هذا الوثن من عنقك فطرحته، ثم انتهى إِلى قوله تعالى " اتخذوا أَحبارهم ورهبانهم أَرباباً من دون الله والمسيح بن مريم " فقال: إِنا لسنا نعبدهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أَليسوا يحرمون ما أَحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه. فقلت: بلى. قال: ذلك عبادتهم " حاجة النبى صلى الله عليه وسلم بما لا محيد عنه قطعاً للحجة بمرة، وإِفادة بأَن تحليل ما حرم وتحريم ما أَحل شرك به، ومن بالغ فى اتباع غيره يقال: عبده، وجعله إِلهه، استعارة لشبه ذلك الاتباع البليغ بالعبادة، وأَطلق العبادة وهى مخصوصة باتباع مخصوص على مطلق الاتباع الشديد على التجوز الإِرسالى، وإلا فقد صح فى أَخبار السير وغيرها أَنهم يسجدون لهم، وقد مر أَن نسطور وأَتباعه قالوا: عيسى إِله، ومريم إِله، والله إِله، فلعيسى ومريم لاهوتية وناسوتية، وإِن ملكان وأَتباعه قالوا أَن عيسى هو الله، ومر أَن منهم - لعنهم الله تعالى - من قال عيسى ابن الله وليس بشراً، والحاصل أَن للنصارى - لعنهم الله - إِلهاً يأْكل ويشرب ويخرأَ أَو يبول، تعالى الله عن صفات الخلق، وإٍسقاط أَلف ابن بين علمين ثانيهما تابع لأَولهما قاعدة فى غير القرآن، فلا يقال: انظر، لم ثبت الأَلف فى ابن هنا مع اَنه صفة بين علمين، والمسيح لقب وهو علم { وَمَا أُمِرُوا } فى كتب الله والواو للحال { إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهًا وَاحِدًا } أَى ما أمروا بتوحيد الله إِلا ليعبدوا إِلها واحداً.

السابقالتالي
2 3