الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ }

{ ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ } رحمته وطمأنينته بمشاهدة أَمارة النصر فى شأن من لم يهرب ومشاهدة الملائكة فى شأنه صلى الله عليه وسلم، واستحضار أَن وعد الله حق فى حق المنهزمين، سماها سكينته لأَنهم يسكنون بها ويأْمنون، وهى سبب للسكون وزوال الاضطراب والخوف عن المؤمنين، وبالنسبة إِليه صلى الله عليه وسلم السكينة منع عروض الخوف { عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَعاد على بياناً للفرق بين حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال المؤمنين فإِنه لم يضطرب ولم يقلق فإِنزال السكينة عليه إِبقاء على أَمنه. وعلى المؤمنين إِزالة خوفهم واضطرابهم ورجوعهم من الانهزام، والمؤمنون من بقوا معه ومن بعد عنه ومن فر. وقيل: المراد بالمؤمنين الذين بقوا معه، وإِعادة على لما فيهم من خوف أَو لعقوبة إِنزال السكينة فيهم. والمراد إِنزالها على المؤمنين. وذكر الرسول للتبرك. ولما رجعوا للقتال أَعانتهم الملائكة كما قال عز وجل { وَأَنْزَلَ جُنُودًا } ملائكة { لَمْ تَرَوْهَا } بأَبصاركم، ورآها المشركون ليذلوا وحجب الله عنها أَبصاركم لئلا تتكلوا عليها. وهى خمسة آلافيمددكم ربكم بخمسة آلاف } [آل عمران: 125]. قاله سعيد بن جبير، ولعله قياس على يوم بدر، وقيل ثمانية آلافأَلن يكفيكم أَن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف } [آل عمران: 124] فالخمسة والثلاثة ثمانية. وقيل ستة عشر أَلفاً. قال سعيد بن المسيب: حدثنى رجل من المشركين أَسلم: إِنا سقنا المسلمين ولم يمكثوا حلب شاة، لما انتهينا إِلى صاحب البغلة البيضاء تلقانا رجال بيض الوجوه، فقالوا: شاهت الوجوه، ارجعوا فرجعنا، فركبوا أَكتافنا. قال البراء بن عازب: عدد العسكرين عسكر المؤمنين اثنا عشر أَلفاً، وعدد الكفار أَربعة آلاف، والذى لا إِله إِلا هو ما ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قط. ورأَيته وأَبو سفيان آخذ بركابه والعباس آخذ بلجام بغلته دلدول، يقول: أَنا النبى لا كذب، أَنا ابن عبد المطلب. ويركض نحو العدو، وما مر آنفاً عن سعيد بن المسيب يدل على أَن الملائكة قاتلوا يوم حنين، بل روى عنهم أَنهم قاتلوا. وقيل: ما قاتلوا بل أَرعبوا المشركين وأَلقوا فى قلوب المؤمنين الخواطر المحسنة، وصححوا أَن الملائكة لم تقاتل إِلا يوم بدر. وعن شيبة بن عثمان: استدبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين أَريد قتله بطلحة بن عثمان وعثمان بن أَبى طلحة قتلا يوم أَحد فأَطلعه الله عز وجل على ما فى نفسى فالتفت إِلى فضرب فى صدرى فقال: " أَعيذك بالله يا شيبة " ، فارتعدت فرائصى فنظرت إِليه وهو أَحب إِلى من سمعى وبصرى، فقلت: أَشهد أَنك رسول الله، قد أَطلعك الله تعالى على ما فى نفسى، ولما هزم المشركون بوادى حنين أَدبروا أَو نزلوا بأَوطاس، وبها عيالهم وأَموالهم وقد ساقوها معهم ليشتدوا فى القتال، أَرسل أَبا عامر الأَشعرى على جيش إِليهم وقاتلوهم، وهرب أَميرهم مالك بن غوث إِلى الطائف وتحصن فيه، وأَخذوا ماله ومال غيره وأَسروا ستة آلاف، وقتل فى ذلك أَمير المؤمنين أَبو عامر رضى الله عنه، وحاصر صلى الله عليه وسلم الطائف بقية شوال، ولما دخل ذو العقدة ارتحل عنهم، وعمائم الملائكة يوم حنين عمائم حمر مرخاة بين أَكتافهم { وَعَذَّبَ الِّذِينَ كَفَرُوا } بالقتل من المسلمين، قيل: ومن الملائكة.

السابقالتالي
2