الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } * { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

{ أَجَعَلْتُمْ } توبيخ وإِنكار للياقة الجعل وإِنكار لصحته شرعا، والخطاب على الصحيح، وهو مذهب الجمهور للمشركين التفات من غيبتهم فى قوله تعالىما كان للمشركين } [التوبة: 17] إِلخ.. إِذ قالوا: عمارة المسجد الحرام والسقاية خير من الإِيمان والجهاد كما مر فى محاورة العباس وعلى، وفى رواية أَنه قال له: يا عم لو هاجرت إِلى المدينة، فقال: أَو لست فى أَفضل من الهجرة؟ أَو لست أَسقى الحاج وأَعمر البيت، وهذا ظاهر فى أَنه كان مسلما. وقيل: الخطاب لجماعة من المؤمنين اختلفوا عند المنبر عند الجمعة، قال بعض: أَفضل الأَعمال بعد الإِسلام سقى الحاج، وقال بعض: عمارة البيت، وقال بعض: الجهاد فى سبيل الله، فقال عمر: إِذا صليتم الجمعة دخلتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَسأَله. فنزلت الآية إِلى قوله تعالى { الظالمين } ومقتضى الظاهر: أَجعلوا، بفتح الجيم ولكن خوطبوا تغليظا عليهم، { سِقَايَةَ } سقى فهو مصدر { الْحَاجِّ } اسم جنس جمعى، وأَل فيه للجنس، كانوا يشترون الزبيب من الشام إِذا سافروا إِليه، أَو من الطائف أو غيرهما، وينبذونه فى ماء زمزم فى جلود يحفر لها وتبسط فى أَيام الموسم ويشرب منها الحجاج، وكان العباس يلى هذا السقى فى الجاهلية والإسلام، وأَقرها صلى الله عليه وسلم للعباس، وكانت لآل العباس ما دام منهم أَحد، وجاءَ رواية مشهورة أَنه رضى الله عنه طلبها والحجابة فمنعهما عنه. ولم يقل وإِيمانه لأَن إِيمان الكافر بمجرد ذكر الله كلا إِيمان، بل يقال: هو غير مؤمن. وعلى أَن الخطاب للمؤمنين فلم يقل وإِيمانه لأَن نزاع المسلمين إِنما هو فى غير الإِيمان وللعلم به وذكره فى المشبه به مع العلم به تقوية للإِنكار وتذكيراً لأَسباب الرجحان ومبادئ الأَفضلية وإِذانا بكمال التلازم بين الإِيمان والجهاد { وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } بالأَبدان مع المعصية فيه بالعرى وعبادة الأَصنام أَو بعبادة لله باطلة بالشرك وغير ذلك { كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ } إِيمانا مستلحقا للإِيمان برسوله والإِخلاص، أَى كإِيمان من آمن بالله { واليَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِى سَبِيلِ اللهِ } أَو يؤول سقاية بالساقين استعمالا للمصدر فى معنى اسم الفاعل، أَو يقدر: أجعلتم أَهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله، ويدل لهذين الوجهين قراءة: أجعلتم سقاية الحاج وعمرة المسجد الحرام بضم السين وفتح العين والميم وإِسقاط الأَلف بعدها: جمع ساق، كقاض وقضاة، وجمع عامر كسافر وسفرة، وبار وبررة، وكافر وكفرة، ويدل لهما أَيضا قراءة سقاية الحاج وعمرة بضم السين وفتح العين والميم جمع ساق بوزن فعال بالضم جمع أَنث بالتاء فصار بوزن فعالة كحجارة بالضم، وفى هذا الوجه مقابلة كل بكل. إِلا أَن الحذف من الآخر أَولى. وفى الوجه الأَول مقابلة السقاية والعمارة بالإِيمان فقط مقيدا بالجهاد، والمعنى: كيف يكون المشركون بأَعمالهم المبطلة وأَعمالهم المعاقب عليها كالمؤمنين فى أعمالهم المثبتة المثاب عليها؟ أَو كيف تكون أَعمالهم كأَعمال المؤمنين فى الاعتبار، وإِذا لم يستووا تبين ولو للمشركين أَن المؤمنين أَفضل فلا يبقى أَنهم دون أَهل الشرك، وهم فى هذا المقام لا يطلبون إِلا أَن يساووا المؤمنين، أَو نفى المساواة نفى لأَن يكونوا أَفضل من المؤمنين من باب أَولى، ومعلوم أَنه إِذا قال خصم: لا نستوى، إِنما أَراد: إِنى أَفضل.

السابقالتالي
2 3