الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

{ أَمْ حَسِبْتُمْ } بل حسبتم، أَو أَحسبتم أَو بل أَحسبتم، والأَولى هنا كونه بمعنى: أَحسبتم بهمزة الإِنكار والتوبيخ فقط دون بل، لأَن المحل ليس للإِضراب، لا كما قيل أَنها بمعنى بل والهمزة، والخطاب للمؤمنين إِذ كره بعضهم القتال، وقيل: للمنافقين، وقيل: للمؤمنين والمنافقين، وعلى كل حال هو ترغيب فى الجهاد لأَنه يأْمرهم كما يأمر المؤمنين. قيل: ما بعد هذا لا يناسبهم وإِنما يناسب المؤمنين، وإِنما كره بعض المؤمنين القتال كراهة طبع، والمنافقون بالطبع والتكذيب، والمؤمنون الكارهون يعالجون حب القتال دون المنافقين، ثم ظهر أَنه لا مانع من كون أَمْ للإِضراب والإِنكار، لأَن قوله: أَلا تقاتلون إِلخ، قد يتضمن أَنهم كسلوا عن القتال فيكون هذا توبيخاً ثانيا أَضرب إِليه عن الأَول من قوله: أَلا تقاتلون، علق الأَول بفعل الكفار ما فعلوا من النكث وما بعده، والثانى بوجوب الإِخلاص { أَنْ تُتْرَكُوا } عن الأَمر بالقتال الذى سميتموه، وعن الإِخلاص. والواو فى قوله { وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ } واو الحال، وصاحب الحال هو واو تتركوا والربط بواو الحال وكاف منكم والواو فى قوله { وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً } حالية من واو جاهدوا، أَو عاطفة على جاهدوا أَى ولما يعلم الله الذين جمعوا بين الجهاد والإِخلاص عن اتخاذ البطانة من المشركين، ومعنى لما يعلم إِلخ أَنه لم يكن جهاد وإِخلاص فضلا عن أَن يقال: إِن الله عالم بالمجاهدين المخلصين، فإِن وصف الله بعلم ما لم يقع أَنه واقع كفر لأَنه جهالة مركبة، فاللفظ نفى العلم والمراد نفى المعلوم وذلك نفى للملزوم وهو المعلوم بنفى اللازم وهو العلم، فإِنه إِذا انتفى شئ لزم أَن الله غير عالم به لأَنه غير موجود، لأَنه لا يصح أَن يقال، علم الله شيئاً أَنه موجود وهو غير موجود، فإِنه يلزم من قولك: لم يعلم الله كذا أَنه لم يقع كذا، وفى الوجه الأَول نفى المعلوم ببرهان وهو انتفاء علمه به، وإِيراد الشئ ببرهانه أَبلغ من إِيراده بلا برهان. فإِنه لو وجد القتال والإِخلاص لتعلق علمه به قطعا لأَن علمه تعالى يتعلق بالشئِ قبل وجوده وفى حال وجوده وبعد عدمه، وقيل: العلم عبارة عن التبيين المسبب به، فإِن العلم سبب لتبيينه وملزوم له لزوما بيانيا، وكفر من قال: لا يعلم الله شيئا حتى يقع، ومسوغ العطف على جاهدوا اجتماع انتفاء اتخاذ الوليجة مع ثبوت الجهاد فى سبيل الله فى الخيال، ومن للتبعيض، فإِن متخذى الوليجة بعض لا كل والخطاب فى حسبتم للمجموع، وفى الآية تلويح بأَنه سيظهر الخلص من غيرهم، كأَنه قيل: لما يظهر المخلصون، والغالب أَن ما نفته لما سيقع أَو يترجح وقوعه، والوليجة من تفشى إِليه سرك، من الولوج وهو الدخول، فهو من يداخلك فى أَمورك، وقيل: من ليس أَهلا لذلك، وأَدخل { واللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من جهاد بلا إِخلاص، ومن جهاد مجاهد بإِخلاص، والخطاب للكل، ويجوز أَن يكون فى هذا، وفى أحسبتم لغير المخلصين، فيكون من فى قوله منكم للبيان، وذكر الثلاثة بحرف النفى تلويحا بأَن كلا مستقل بالتحريم، وتلويحا بزيادة قبح من اتخذ وليجة بأَنه قد اتخذها عن الله والرسول والمؤمنين، فنهى الله أَن تتخذ عن واحد كما اتخذها هؤلاءِ عن الثلاثة، وتلويحا بأَن من اتخذها عن المؤمنين فقد اتخذها عن الرسول، ومن اتخذها عن الرسول فقد اتخذها عنهم، ومن اتخذها عن الرسول فقد اتخذها عن الله، ولا يخفى عنه شئ.