الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ } عطف على قوله على النبى لأَنه ذكر أَولا وغيره مثله وتبع له، أَو على الأَنصار لأَنه آخر، ومن جنسهم والقسم منسحب على الثلاثة كأَنه قيل لقد تاب الله على النبى والمهاجرين والأَنصار وعلى الثلاثة، ولكن إِذا عطف على الأَنصار كان من باب العطف على المعنى المقول له فى غير القرآن عطف توهم لأَن على فى المعطوف لا فى المعطوف عليه، وهى فيه معنى وكأَنه قيل وعلى الأَنصار وعلى الثلاثة، ولا يصح العطف على عليهم لأَن الثلاثة لم يتصفوا بكيد زيغ قلوبهم فلا تهم { الَّذِينَ خُلِّفُوا } خلفهم رسول الله والغزاة تركوهم ولو لم يقولوا اقعدوا خلفنا، تقول خلفت عمراً خلفى ولو لم تقل له اقعد خلفى ولا تسرع لأَجل أَن يكون خلفك، أَو خلفوا أَنفسهم أَو خلفهم الشيطان عن الغزو، أَو خلفهم الله عن قبول التوبة لأَنهم المرجون، أَو خلفهم أَمرهم عمن قبلت توبته من أَبى لبابة ونحوه. والثلاثة كعب بن مالك وهو من بنى سلمة وهلال بن أُمية من بنى واقف ومرارة بن الربيع من بنى عمرو بن عوف، ويقال فيه ابن ربيعة، وفى مسلم مرارة بن الربيع العامرى، والواضح أَن يقول العمرى ـ بفتح العين وإِسكان الميم ـ نسباً إِلى بنى عمرو بن عوف، قال كعب: معنى خلفوا أُرجِىءَ أَمرنا لا على معنى تخلفنا عن الغزو، أَو خلفوا أَنفسهم عن الاعتذار والتوبة كما اعتذر أَبو لبابة وأَصحابه { حَتَّى إِذَا } خرجت عن الشرط ونصب الظرفية إِلى الجر بحتى أَو ثم زائدة فى جوابها بعد وهو ضعيف أَو جوابها يقدر بعد ليتوبوا هكذا تنشرح أَنفسهم { ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } برحبها أَى مع رحبها، وذلك لضيق قلوبهم حتى لا تسكن إِلى شىءٍ منها ولا إِلى شىءٍ من أَحوال أَهلها والرحب والسعة، ندماً عن فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم مرافقته فى الغزو وخوفاً من أَن يموتوا فلا يصلى عليهم، أَو يموت صلى الله عليه وسلم فلا يصلى عليهم، ولا يكلمون دائماً { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ } قلوبهم لذلك ولإِعراض الناس عنهم بالكلية، وفرط الغم والوحشة وضيق نفس الإِنسان عليه أَشد من ضيق الأَرض عليه فذلك ترق، وضيق الأَرض كناية عن الوحشة ولكن تكون بكل ما أَمكن، ويجوز أَن يكون فسرها بضيق الأَنفس وذلك بسط للكلام، وإِن شئت فضيق الأَرض انقباض الناس وضيق الأَنفس همها به، وبمخالفة الرسول. قال كعب: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامنا أَيتها الثلاثة، فاجتنبنا الناس حتى تنكرت فى نفسى الأَرض فما هى التى أَعرف ولزم صاحباى بيوتهما يبكيان، قال: لقد شهدت ليلة العقبة وما أُحب أَن لى بها بدرا، ولو كان بدر أَشهر فى الناس ولم أَشهده، لأَنه صلى الله عليه وسلم لم يعزم على الناس لأَنه خرج للعير فوفقه الله تعالى إِلى القتال ولم يعاتب أَحداً على عدم مشهده ولم أَتخلف إِلا فى غزوة تبوك، وكنت كل يوم أَقصد التجهز لأَلحق به وأَكسل حتى بعدوا، واشتد همى لأَنى لا أَرى فى المدينة إِلا معذوراً أَو منافقاً، ولما بلغ تبوك قال ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل: يا رسول الله حبسه برداه والنظر فى عطفيه.

السابقالتالي
2 3 4