الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ مِنكُمْ وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِى سَبِيلِ اللهِ } هم المهاجرون الآخرون بعد الحديبية وقبل الفتح إِذ وضعت الحرب أَوزارها عامين بالصلح الواقع فى الحديبية وكان - قيل - على عشر سنين، ومات صلى الله عليه وسلم قبل تمامها، وانتقض ببعض أَهل مكة بقتل خزاعة وهم فى ذمته صلى الله عليه وسلم فكان الفتح، وقيل: المراد من هاجروا بعد هذه الآية، وقيل: من هاجر بعد غزوة بدر. وفى الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية " فمن أَسلم فى موضع ولو فى بريش جاز له المقام فيه إِن عرف دينه ولم يمنع من إِظهاره، وقيل: لو منع من إِظهاره إِن كان يفعله سرا. والهجرة طبقات، هجرة إِلى المدينة وأَهلها المهاجرون الأَولون، وهجرة إِلى الحبشة ثم منها إِلى المدينة وأَهلها أَصحاب الهجرتين، وهجرة بعد صلح الحديبية وقبل الفتح، ويجوز أَن يراد هنا المهاجرون الأَولون المذكورون فى قوله تعالى: إِن الذين، إِلخ، لأَن ما هنالك لبيان أَن بعضهم وبعض الأَنصار أَولياء بعض، وما هنا فى بيان أَنهم كاملوا الإِيمان وأَن لهم مغفرة ورزقا كريما، كما قال { وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } أَى إِيمانا كاملا، إِلا أَنه لم يقل بأَموالهم وأَنفسهم اكتفاء بذكره أَولا { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } عظيمة لذنوبهم { وَرِزْقٌ } عظيم فى الجنة { كَرِيمٌ } لا نقص فيه ولا زوال ولا تكدر بشئٍ، وإِن أُريد بهذه الآية المهاجرون الأَولون فالمهاجرون الآخرون فى قوله عز وجل:

{ والَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ } بعد المهاجرين الأَولين أَو بعد الحديبية وبيعة الرضوان، والماصدق واحد { وَهَاجرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ } بأَموالهم وأَنفسهم { فَأُولئِك مِنْكُمْ } أَيها المهاجرون الأَولون والأَنصار، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم من التوارث والمغانم والنصر، وغير ذلك، وفى قوله منكم تفضيل للأَولين والأَنصار عليهم لأَنه استلحاق، فالخلاف فى فضل المهاجرين على الأَنصار أَو الأَنصار على المهاجرين إِنما يتم فى المهاجرين الأَولين، وأَما المتأَخرون فالأَنصار أَفضل منهم، وإِن أُريد بقوله عز وجل { من بعد } بما بعد الهجرة الثانية، أَو المهاجرين ثانيا، وقيل: المراد من بعد نزول الآية، فيكون المعنى والذين يؤمنون من بعد ويهاجرون ويجاهدون وهم أَهل الهجرة الثالثة، وقيل من بعد بدر { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ } فى الميراث والنصر، أَى الإِرث بالنسب أَولى من الإِرث بالإِسلام والهجرة فهذا ناسخ للإِرث بالإِسلام والهجرة، ونسخ للإِرث بالمخالفة، فقيل: أُولو الأَرحام هم من ذكر الله من الورثة بالنسب فى سورة النساءِ، وقيل: أُولو الأَرحام القرابة الذين لا ذكر لهم فيها، ولم يوجد واحد منهم كالخال والخالة وبنت الأَخ وبنت العم لمجئ الحديث بأَن الخال وارث من لا وارث له، وبه نقول نحن وأَبو حنيفة، وعن ابن عباس: كانوا يتوارثون بالهجرة والإِخاءِ حتى نزلت { وأُولو الأَرحام بعضهم أَولى ببعض } أَى فى الإِرث، وبالأَول قال الشافعى، وهو أَن المراد من فى سورة النساءِ غير الأَزواج، وعنه أَن المراد العصبة الذين يرثون ما بقى عمن ذكر فى سورة النساءِ، واحتج بقوله تعالى { فِى كِتَابِ اللهِ } وفسره بحكم الله الذى حكم به فى سورة النساءِ، ويشكل عليه أَنه لم يذكر هنا ولا فى النساءِ أَن الباقى بعد الفروض للعصبة، وإِنما يصلح بلا إِشكال إِذا فسروا أَولو الأَرحام بما فى النساءِ غير الأَزواج لا بخصوص العصبة، مع أَنه لا مانع من كون كتاب الله اللوح المحفوظ أَو القرآن أَو حكم الله لا بخصوص كونه ما فى النساءِ، وعلى كل حال لنا حجة على إِرث ذوى الأَرحام كالخال والعم للأُم وهو الحديث، ويقدم عند قوم المعتق على نحو الخال والخالة، وعكس ابن مسعود وخالفه ابن عباس وسائر الصحابة وهو متعلق بأُولو، أَو خبر لمحذوف، أَى ما ذكر ثابت فى كتاب الله، وكان المهاجر يرثه أَخوه الأَنصارى إِذا لم يكن للمهاجر وارث فى المدينة ولا يرثه وليه الذى لم يهاجر.

السابقالتالي
2