الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } * { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ } * { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } حثهم { عَلَى الْقِتَالِ } قتال الكفرة، أَى أَزل حرضهم وهو الإِشراف على الهلاك بالقتال، إِذ لو لم يقاتلوا لأَشرفوا عليه، قال الله عز وجلحتى تكون حرضا أَو تكون من الهالكين } [يوسف: 85] والإِزالة من معانى التفعيل كما يقال: قذَّيته أَى أَزلت قذاه، بتشديد ذال قذيته، { إِنْ يَكُن مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُون } بقوة وشجاعة { يَغْلِبُوا مِائَتيْنِ } من الذين كفروا الواحد بعشرة، ذكر هنا قوله صابرون ولم يذكره فى قوله { وإِنْ يَكُن مِّنْكُمْ مِائَة } أَى صابرة ولم يذكر الذين كفروا وذكره فى قوله { يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } وذلك احتباك وهو فصاحة عظيمة وهى أَن يذكر فى كل من الكلمتين ما حذف من الآخر، ولا يحل للواحد الفرار من عشرة رجال كافرين يصبر فيغلبهم، وله الفرار من أَحد عشر، واللفظ إِخبار والمراد أَمر، أَى اثبت يا واحد لعشرة، أَو إِخبار لفظا ومعنى، أَى حكم الشرع لزوم ثبوت الواحد للعشرة، وعلى الوجهين تكون الآية حكما، والحكم ينسخ فينسخ كون ذلك شرعا بما بعد، فكان الشرع أَن لا يلزم ثبوت المسلم لثلاثة من الكفار، وإِنما الخبر الذى لا ينسخ هو مالا حكم فيه، كما لو كان المعنى أَن الله عز وجل أَعطى المؤمن قوة عشرة من الكفار فلا وجه لنسخه إِلا على معنى أَن الله أَزال بعد ذلك تلك القوة وردها إِلى قوة رجلين من الكفار { بِأَنَّهُمْ قوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ } لأَنهم قوم لا يفقهون أَمر الدنيا والآخرة فليسوا يقاتلون لدين الله ولا رجاء لثواب الآخرة الدائم فيرغبوا، ولا يرجون البعث فشحوا على الحياة الدنيا إِذ ليس لهم عندهم إِلا هى ونعيمها فلا يبالغون فى القتال بخلاف من اعتقد السعادة فى الآخرة ويقاتل رغبة فى الله عز وجل، فتكون الآية إِخبارا بضعف المشركين فلا يخافهم المؤمنون، واختير أَن المعنى استحقاق الكفرة للقتل لأَنهم لا يفقهون فاقهروهم بالقتل، وهو متعلق بيغلبوا، ونسخ ثبوت الواحد للعشرة لما كثر المؤمنون، وقيل: نسخ بعد مدة قبل كثرتهم، وتضرعوا إِلى الله فنسخ، واختار مكى أَن ذلك تخفيف لا نسخ، وهو رجل أندلسى جاور مكة فنسب إِليها، وعلى النسخ إِن قاتل واحد عشرة فقتل فلا إِثم عليه لأَنه نسخ الوجوب، وعلى أَنه تخفيف غير نسخ يأثم، كذا قيل. قلت: لا إِثم لأَنه خفف له عن الوجوب ولم يحرم عليه مقابلتها، فإِنه إِذا ترك الوجوب بقى الجواز بقوله: { الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعلِمَ } لعلم الله تعلق بالشئِ بلا أَول، قبل وجوده وحال وجوده وبعد عدمه { أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا } حادثا لاعتماد كل على الآخر، فالضعف قلبى، وقيل ضعفا فى الأَبدان، وقيل ضعف البصيرة، إِذ حدث قوم فى الإِسلام ولم يحسنوه، وقيل ضعف فى رأى الحرب، ولم يكن الضعف من قبل فلا يتصف بأَنه علم أَنه موجود بل علم أَنه سيوجد { فَإِنْ يَكُن مِّنْكُمْ مِّائةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } الواحد باثنين ويجوز له الفرار لثلاثة وإِن زال سلاحه فر ولو لواحد.

السابقالتالي
2 3