الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }

{ إِذْ } اذكر إِذ أَو ظرف متعلق بالنصر، ولا خلاف فى جواز إِعمال المصدر المعرف بأَل فى الظرف، أَو بدل ثان من إِذ على جواز تعدد البدل والمبدل منه، حينئذ لا يكون فى حكم السقوط، أَو يتعلق بجعل أَو فى قوله: من عند لنيابته عن ثبت أَو ثابت { يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ } أَو يجعل الله النعاس غاشياً لكم ومحيطاً بكم { أَمَنةً مِنْهُ } ثابتة منه، والنصب على التعليل على أَن أَمنة مصدر حذفت زوائده، أَو اسم مصدر، والأَصل التأمين، أَو الإِيمان بمعنى جعله إِياهم آمنين غير خائفين فقد اتحد فاعل الإِغشاء والإِيمان أَو التأمين. أَو يضمن يغشيكم النعاس معنى يجعلكم تنعسون فيكون أَمنة على ظاهره مصدراً للثلاثى، فيحتمل فاعل النعاس وفاعل الأَمن، والمعنى أَن الله أَنزل عليهم النعاس فى وقت لا يعتاد فإِن الخائف على نفسه فى وقت حضور العدو وقتاله لا ينام، فإِيقاع النوم عليهم إِزالة للخوف، وذلك فى حكم المعجزة، إِذ وقع النوم على عدد كثير فى وقت واحد مع الخوف الشديد، ولم أَقل معجزة لأَن ذلك لم يقع فى معرض التحدى، ويقال: خافوا وعطشوا فأَلقى الله عليهم نوماً زال به عطشهم وخوفهم، وتمكنوا به من قتال عدوهم فهو نعمة لهم، وكان خفيفاً بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: النعاس فى القتال أَمنة من الله عز وجل وفى الصلاة وسوسة من الشيطان { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ } من الأَنجاس والجنابة والأَحداث كمس العورة وريح الدبر { وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ } وسوسته بأَنكم عطشتم وعدوكم على الماء، وإِنكم لا تغلبون عدوكم إِذ عطشتم، وغلبكم المشركون على الماء وتصلون مجنبين محدثين، وأَنتم تزعمون أَنكم أَولياء الله وفيكم رسوله، وقد أَنزل الله الاحتلام على أَكثرهم، وعن قليل يقتلكم العدو ويأْسرون من أَرادوا أَسره لضعفكم بالعطش وقلتكم، فأشفقوا فأَنزل الله الماءَ ليتطهروا به، ولنزول الوسوسة عليهم، فحفروا الأَحواض من ماء المطر وتطهروا أَو سقوا الركاب وشربوا وتلبد الرمل الذى بينهم وبين العدو، وكانت الأَقدام تسوخ فيه قبل المطر، وقيل: رجز الشيطان الجنابة، أَضيفت إِليه لأَنها من تخيله، ولذلك سميت رجزاً، ولا يقال: يلزم فى هذا القول التكرار لأَنا نقول: الجملة الثانية تعليل للأُولى، والمعنى طهركم من الجنابة لأَنها من رجز الشيطان وتخييله، ويبحث التعليل لا تقيده الثانية إِذ لم تسق مساقه { وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ } يشد عليها بتقويتها باليقين والصبر وانتفاء الوسواس وجعل إِنزال الماء سبباً لذلك حتى قيل: يربط على قلوبكم بإِنزال الماء، وعلى للإِيذان بأَن القوة بلغت فى الكمال حتى كأَنها استولت على القلوب وارتفعت عليها، وهذا أَولى من أَن تكون على صلة، وأَن المراد وليربط قلوبكم { وَيُثَبِّتَ بِهِ } بالماء { الأَقْدَامَ } عن أَن تسوخ فى الرمل، فإِن المشى فيه مع دخول الأَقدام فيه عسر، وأَيضاً فى تلبيده إِزالة الغبرة المشوشة، أَو الهاءَ للربط على القلوب فيكون المراد تثبيت القلوب فى المعركة على طريق الكناية أَو تثبيت الأَرجل فيها فلا تخرج عنها.