الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ }

أصله المتدثر كما قرأ به أُبى أُبدلت التاء دالاً وأُدغمت من تدثر بمعنى لبس الدثار وهو ما فوق الثوب الذى بلى البدن كما قال - صلى الله عليه وسلم - فى مدح الأَنصار وفى تفضيلهم على سائر الناس غير المهاجرين أو غير قريش أو على قريش أيضا والمهاجرين أيضا من وجه " الأَنصار شعار والناس دثار " ، والشعار الثوب الذى يلى الجلدة والشعر، نودى باسم من فعله ملاطفة ومؤانسة له على حد ما مر فى المزمل، عن ابن عباس صنع الوليد بن المغيرة طعاماً لقريش فأَكلوا فقال: ما تقولون فى هذا الرجل فاختلفوا على حد ما مر ثم اتفقوا على أنه ساحر مؤثر فحزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقنع رأسه وتدثر ونزلت إِلى قوله { ولربك فاصبر } ، قال جابر ابن عبد الله قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذ سأَلته عن الآية " لما قضيت جواري بحراء وقد جاوزت فيها شهراً هبطت فنوديت فنظرت يمينا وشمالا وخلفاً فلم أر شيئاً فرفعت رأسي فإِذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي فى الهواء ورعبت فقلت لأَهلي دثروني دثروني وصبوا على ماء بارداً " فنزلت يا أيها المدثر إِلى قوله فاهجر، وفى رواية لما قضيت جوارى فى حراء هبطت فاستبطنت الوادى الخ. فنوديت الخ وعن جابر أنها أول ما نزل ولا يصح عنه هذا فإِن هذه السورة نزلت بعد سورة المزمل بثلاث سنين وهو وقت إِرساله وكان قبلها نبياً غير رسول ألا ترى إِلى قوله فإِذا الملك الذى جاءنى بحراء فإِنه جاءه فيها فضمه فقال اقرأ وأطلقه وقال ما أنا بقارئ، كان ذلك ثلاثاً، وفى الثالثة قال اقرأبسم الله الرحمن الرحيم. اقرأ باسم ربك } [العلق: 1] إِلىما لم يعلم } [العلق: 5] فجاء أهله فقال زملونى زملونى، فأَول ما نزل سورة اقرأ وكان إِسرافيل يتعهده بكلمات ولما تمت ثلاث سنين رجع إِليه جبريل. وأمره بالإنذار، وهذا التدثر هو التزمل لا تدثر آخر، ولعل الخطاب بيا أيها المزمل قم الليل بعد أن كان له أصحاب يقومون بقيامه لا فى قوله زملونى إِذ لا أصحاب له حينئذ اللهم إِلا إِن كان له أصحاب على الهدى قبل النبوة وليس هذا معروفا ولعل جابر أراد الأَولية بالإِضافة إِلى الإِرسال بالإِنذار، أى أول ما نزل من الإِرسال بعد فترة الوحى، وقيل المدثر الغائب فى حراء أو فى ثيابه أو فى صورة عن الحقيقة المحمدية أو عن أنظار الخلق فلا يعرف حقيقته إِلا الله تعالى، والقولان للمتشدقين الصوفية قبحهم الله عز وجل يغيرون القرآن عن ظواهره إِلى ما هو خارج عن معناها وحقيقته يعلمها الله تعالى وحده كما قال فى البردة: أعيا الورى فهم معناه... إِلى قوله كلهم.

وقيل المدثر بالنبوة والكمالات وقيل المستريح الفارغ لأنه فى ثلاث السنين الأولى لم يكلف بالتبليغ وفى ذلك كله نودى بذلك تأنيساً.