الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ }

{ وَإِلَى مَدْيَنَ } قبيلة سميت باسم جدها مدين بن إِبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم، لا كما قيل اسم قرية، وإِن التقدير وإِلى أَهل مدين لعدم الداعى إِلى الحذف مع صحة الاستغناءِ عنه كما فى سائر القصص، وأَيضًا سميت بلدته باسمه، وسميت أَولاده به فليحمل على أَولاده لأَنهم أَنسب، وقيل اسم ماء كانوا عليه { أَخَاهُمْ شُعَيْبًا } هو ابن ميكيل بن يشجر ابن مدين بن إِبراهيم وقيل: شعيب بن ثويب ابن مدين، وقيل شعيب بن شيرون بن مدين وبعض يقول ميكائيل، وقيل هو ابن يشجر من لاوى بن يعقوب، وهو تصغير شَعْب بفتح فإِسكان اسم جبل أَو بكسر فإِسكان وهو الطريق فى الجبل، والصحيح أَنه مرتجل، وأَسماء الأَنبياء لا تصغر بعد الوضع، وأَما قبله هكذا فجائز، ويقال ميكائيل هى بنت لوط عليه السلام وقيل إِسحاق. هو يثروب بن عيفاءَ ابن ثويب بباءَين موحدتين بن جعفر ويقال هو أَعمى بلا عكاز، فإِن صح فعماه بعد النبوءَة والرسالة لأَن كل نبى سالم من منفر، ومرض أَيوب بعد النبوة، وشعيب بعث إِلى أمتين إِلى مدين فأَخذوا بالصيحة وإِلى الأَيكة فأُخذوا بعذاب يوم الظلة، وهو حديث موقوف، وقيل مرفوع، وكلتا الأُمتين وعظت بوفاء الكيل، وقيل أَرسل إِلى أَصحاب الرسل فهو إِلى ثلاثة ولا رسول إِلى قوم فأَهلكوا ثم إِلى آخرين فأُهلكوا إِلاَّ شعيباً، ويقال له خطيب الأَنبياءِ لحسن مراجعته قومه، كما فى رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يشكل على التسمية أَن غيره أَيضاً حسن المراجعة لقومه لأَن النكت لا تتزاحم، ووجه التسمية لا يوجبها، ولعل له فى حسن المراجعة زيادة على غيره، ولا يبعد أَن يكون فى المفضول شئ ليس فى الفاضل.

{ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِهِ } يتضمن هذا أَمرهم بالتوحيد لأَنه لا وجه لعبادته إِلا بعد التوحيد، ولأَنه قال ما لكم من إِله غيره، وكأَنه قال: قولوا لا إِله إِلا الله، وكأَنهم قالوا: ما دليلك؟ فقال { قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } أَى ستجيئُكم ولا بد، فكأَنها قد جاءَت ولم يذكرها الله عز وجل فى القرآن كما لم يذكر أَكثر معجزات رسول الله، أَو هى عصا موسى إِذ قال له شعيب خذ إِحدى هؤلاءِ العصيان فأَخذها فقال له شعيب ردها، وخذ غيرها فردها فتناول الأَخذ فما تناول إِلا إِياها سبع مرات، فقال شعيب: خذها، فمضى بها للرعى فأَكلت تنينا فى مرعاهم كان يمنعهم، وهى عصا آدم وإِخباره موسى أَن غنم رعيك تلد كل واحدة ولدا أَسود الرأس أَبيض باقى الجسد، فكان كذلك كافيا ذلك كله وما أَشبهه. وقوم شعيب عالمون به، وذلك قبل هلاكهم فذلك معجزة له وإِرهاص أَى تمهيد لرسالة موسى، وإِن كان موسى اتصل بشعيب بعد هلاك قوم شعيب فهى إِرهاص فقط لموسى عليهما السلام، وتعنى المعتزلة الإِرهاص باطل محجوج، وقيل بينته هو قوله أَوفوا الكيل إِلخ، كأَنه لما قال ما لم يقله أَحد لزم أَن يعلموا أَن ذلك من جنس ما يأتى من الله، أَو قوله ما لكم من إِله غيره { فَأَوْفُوا } العطف على اعبدوا أَوْ على جاءَتكم إِلخ، والتفريع بالفاء صالح فى كل، والمعجزة لا يلزم ذكرها فى القرآن وهى موجودة، وقيل هى نفس شعيب، وهو خطأ وقيل عصا موسى إِذ أَعطاه إِياها شعيب وقتلت ثعبانا فى مرعى مهجور لأَجله وولادة غنمه الدرع خاصة، ووقوع العصا فى يد موسى سبع مرات مريداً لغيرها فى ست، قلت: هذا تمهيد لرسالة موسى عليه السلام، إِذ نبوءَته بعد ذلك، لا معجزة لشعيب إِذ لا معارض له حينئذ يستظهر بذلك عليه، إِلا أَنه لا مانع من وقوع معجزة فى غير محل المعارضة، على أَنه تذكر لمن عارض قبل أَو بعد، ولا يصح ما قيل: إِن المعجزة أَوفوا إِلخ.

السابقالتالي
2