الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

{ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الماءِ } شيئا تافهاً من الماءِ أَو بعض الماءِ أَو أَفيضوا من الماءِ شيئاً، والإِفاضة على الشئ تكون مما فوقه أَو مما معه لكن منحدر إِليه، والمراد الأَول، ولو كان فيهما استعلاء فالجنة فوق النار { أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ } من فى الموضعين للبيان أَو للتبعيض أَو للابتداءِ، ووجه البيان أَن المراد الحقيقة لا الاستغراق فإِنهم لا يطلبون إِفاضة الماء كله، والمائعات كلها، والمراد بما رزقهم الله اللبن والعسل والخمر ونحو ذلك من المائعات بدليل الإِفاضة، أَو نوع الطعام فاقتصروا على الماءِ من المائعات لأَنه هو الذى يشتاق عند العطش الاشتياق الشديد، وعلى هذا يقدر أَو أَلقوا علينا مما رزقكم الله أَو أَنفقونا أَو أَطعمونا مما رزقكم الله، أَو يضمن فيقول معنى القول فيعم الماءَ والطعام، والظاهر إِبقاء أَو على حالها فما طلبوا إِلا أَحد الشيئين لإِياسهم واستبعاد أَن يساعدوا إِلى ما طلبوا، ولا مانع من جواز أَنهم طلبوا قبل إِياسهم واقتصروا على الماء ليتدرجوا إِلى غيره، ويجوز أَن تكون بمعنى الواو، قال ابن عباس رضى الله عنهما ينادى الرجل أَباه أَو أَخاه أَو قريبه أَو صاحبه أَو غيره، قد احترقت أَفض على من الماءِ أَو مما رزقكم الله، فيقال لهم أَجيبوهم فيقولون ما ذكر الله عز وجل فى قوله { قَالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمْهُمَا } منعهما وليس التحريم هنا مقابلا للفرض والكراهة والندب والإباحة لأَنه لا تكليف يومئذ، وفى ذلك تشبيه حالهم مع شراب الجنة وطعامها مثلا بحال من كلف تحريم ما حرم عليه وهو أَشد فى المنع، فذلك استعارة تمثيلية، أَو التحريم لغوى فالاستعارة فى تثنية الضمير تقوية لكون أَو بمعنى الواو وعلى إِبقائها على أَصلها يكون المعنى حرم كلا منهما { عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا } لقدم الفرق بينهما فى أَقوال منها أن اللهو صرف الهم بما لا يحسن الصرف به، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أَن يطلبه به، وذلك كتحريم البحيرة والتصدية وهى التصفيق والمكاء وهو الصفير { وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } بأَن طمعوا فى طول العمر ونيل اللذات، وهنا تم كلام أَهل الجنة، وقيل تم بقوله حرمهما على الكافرين. وعلى الأَول فالذى مبتدأ خبره فاليوم ننساهم.

{ فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ } نتركهم فى النار، كما يبعد حضور ما زال عن الحافظة فإن عدم تذكرك شيئا أَعظم فى تركه من حضوره فى قلبك مع تركه، تعالى الله عن صفات الخلق ففى ذلك استعارة تمثيلية وذلك أَشد تأْكيداً من تفسيره بالترك هكذا، وقيل ننساهم نؤخرهم، وكذا فى قوله { كَمَا نَسوْا } بترك الإِيمان والعمل الصالح والتقوى { لِقَاءَ يَوْمِهِمْ } يوم القيامة { هذَا } شبه معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من لم يتذكر أَن يفعل الخير فى عبده ولم يلتفت إِليه وشبه عدم إِخطارهم لقاءَ الله ببالهم عدم مبالاتهم بحال من عرف شيئًا وزال عن حافظته على حد ما مر، وحاصل التشبيه نتركهم فى النار تركا دائماً كما داموا على إِنكار الآيات، ويجوز أَن تكون للتعليل { وَمَا كَانُوا } ما مصدرية أَى وكونهم { بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } أَنها من الله عز وجل، وقيل الجحود بمعنى النسيان.