الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ } ما تزايد قبحه مطلقاً أَو أَنواع الزنى من ظاهر وباطن فى الرجال والنساء واللواط والسحاق والاستمناء بنحو اليد، والتعميم أَولى ولو ناسب الزنى قوله تعالى أَتأْتون الفاحشة، وناسب أَن من النساء أَو الرجال من يسر الزنى ومنهم ومنهن من يظهره فجعلها لنفسها علامة الزنى ولخلوة بها بمرأَى الناس { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } كلاهما يكون فى الزنى وسائر المعاصى، ومن الباطن زنى القلب، وعن ابن عباس: ما ظهر الزنى جهراً وما بطن الزنى سرا، وكانوا يكرهون الأَول ويفعلون الثانى، وعن مجاهد ما ظهر الطواف فى عراء وما بطن الزنى، وقيل الأول طواف الرجال بالنساء والثانى طواف النساء عاريات ليلا { وَالإِثْمْ } الذنب الصغير والكبير تعميم بعد تخصيص، وفسره ابن عباس والحسن البصرى بالخمر لكونها سبباً للإثم الكبير فى قوله تعالىقل فيهما إِثم كبير } [البقرة: 219] واعترض بأَن السورة مكية وتحريم الخمر بعد أحد، وقد قتل فيه شهداء وهى فى بطونهم، وقد قيل هذا إِخبار عما سيكون من تحريمها وهو خلاف الظاهر، وليس الإِثم من أَسماء الخمر بالوضع العربى بل بالعموم ولا أظن قول الشاعر:
نهانا رسول الله أَن نقرب الزنى   أو ان نشرب الإِثم الذى يوجب الوزرا
وقول الآخر:
شربت الخمر حتى ضل عقلى   كذلك الإثم يذهب بالعقول
إِلا مصنوعين إِيهاما أَنه من أَسماء الخمر، وإِلا فمراد البيتين التسمية مجازا لأَنه سبب الإِثم { وَالْبَغْىَ } الظلم أَو الكبر، وخص للمبالغة لأَن الكبر مشاركة لله فى ردائه، ونحو القتل يلي الشرك ولا ظلم ولا بغى الا غير حق فقوله { بِغَيْرِ الحَقِّ } تأْكيد لقبحه كالصفة الكاشفة، وأَيضاً قد يسمى الجزاء ظلماً لكونه فى صورته فقال بالظلم الذى هو غير حق فإِن الظلم الذى هو الجزاء حق { وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ } أى شيئاً تعبدونه { سُلْطَانًا } حجة، تهكم بالمشركين كأَنه من الجائز أن يوحى إِجازة الإِشراك، وليس من الجائز الإِشراك فضلا عن أَن يوحى، أَى لا ينزله فضلا عن أن يكون حجة، وذكر الإِشراك تعميم بعد تخصيص، كما أن ذكر البغى بعد الإِثم تخصيص إِلا إِن أُريد بالفواحش ما يتعلق بالفروج، وبالإثم شرب الخمر، وغير الأسلوب إِذ لم يقل إِشراككم بالله، لم ينزل به سلطانا بل قال: وأن تشركوا إِلخ، لمزيد التوبيخ والعقاب بالخطاب وصيغة الاستمرار وكذا فى قوله { وَأنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } إِذ لم يقل وقولكم على الله ما لا تعلمون. والمراد إِلحادهم فى صفاته والافتراء عليه بقولهم: والله أَمرنا بها.