الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً } فى الشرع ولو كانت طاعة عندهم كعبادة الأَصنام والطواف فى عرى وغير ذلك مما يستقبح إِذا قدموا حجاجاً أَو معتمرين طاف الرجال نهاراً عراة والنساء ليلا عاريات، وكانوا يطلبون إِزاراً عارية وإِن لم يجدوه طافوا فى عرى، وعلى كل حال يلقون ثيابهم ويحرمونها لأَنهم عصوا الله فيها، والفاحشة اسم لما اشتد قبحه، وأَصله وصف أَى فعلة فاحشة ثم تغلبت عليه الاسمية { قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا } فاقتدينا بهم. وامتثلنا أَمر الله وأَمرنا بأَمر آبائنا، وجملة إِذا فعلوا إِلى قوله بها عطف على لا يؤمنون، أَى جعلنا الشياطين أَولياءَ لمن اتصفوا بانتفاء الإِيمان وتقليد الآباءَ فى الفاحشة، ودعوى أن الله أمرهم بها فذلك احتجاج بأَمرين: الأَول وجود آبائهم والثانى دعوى أَن الله أَمرهم بها { قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ } رد لقولهم الله أَمرنا بها؛ لأَنه ربما أِبه على جاهل أمر يتوهم أَنه من الله وتسميته فاحشة حدث من الله ولم يذكر الرد على قولهم وجدنا عليها آباءَنا لظهر أَن التقليد غير حجة ولو كان حجة لصحت الأَديان التقليدية المتناقضة كلها، والموجود أَن كلا يضلل الآخر وصدق المتناقضين محال، وهذا مدلول قوله " إِن الله لا يأْمر بالفحشاء " ضمن لأَنه سبحانه إِذا أَمر بمحاسن الأَعمال فكيف يترك أَمره هذا بمجرد اتباع الآباء فيما هو قبيح عقلا، والمراد بالقبح العقلى هنا نفرة الطبع السليم واستنقاص الفعل المستقيم لاكون الشئ متعلق الذم قبل ورود النهى عنه وبلا ورود وهو المتنازع فيه عندنا معشر الإِباضية، وقومنا وعند المعتزلة دون الأَول فلا دليل للمعتزلة فى الآية على ما زعموا من التقبيح والتحسين العقليين. ويجوز أَن يراد لِمَ فعلتم فقالوا وجدنا آباءَنا، فقيل: من أَين أَخذ آباؤكم؟ فقالوا: الله أَمرنا بها لتوسط أَمره آباءَنا والله يأمر بمحاسن الأَفعال دائماً إِجماعا ومن يأمر بها على الدوام لا يأْمر بالفحشاء فالله لا يأْمر بها { أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من جملة ما حكى بقل، والاستفهام توبيخ وإِنكار للياقة أَن يقولوا على الله ما لم يعلموا بحقيقته لعدم سمعه من ملك أَو نبى وهو الفواحش، والخطاب لقريش وهم ينكرون نبوءَة الأَنبياء، ولو كانوا ربما سأَلوا أَهل التوراة، والقبح إِما بحكم الله وعليه العقاب، وهو يثبت بالشرع لا بالعقل خلافاً للمعتزلة، وإِما بكراهة الطبع المستقيم لا خلاف فيه أَنه بالعقل ولا دلالة فيه للمعتزلة على أَن مرجع التقبيح للعقل ورد الشرع به أَو لم يرد، ولا دليل فى قوله أَتقولون إلخ على نفى القياس لأَنه ولو كان مظنونا لا معلوما لكن لما انعقد الإِجماع على ما يثبت به كان معلوما من هذه الحيثية، أَو المراد بالعلم فى الآية ما يعم الظن المطابق، أَو هذا عام خص منه البعض وهو ما يثبت بالقياس فإِنه بمنزلة الاستثناء من هذا الحكم، والمخصص هو الإِجماع والأَول أَولى وإِنما يمنع التقليد إِذا قام الدليل على خلافه.