الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } * { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ }

{ قَالَ } كرر القول، قيل لبعد اتصال الحياة فى الأَرض والموت فيها والإِخراج منها بالأَمر بالإِهباط وبعداوة بعض لبعض، والاستقرار فى الأَرض والتمتع فيها، ويبحث بأَنه لا بعد فى ذلك بل مناسبة لأَن ذلك كله فى الأَرض والإِهباط إِليها والإِخراج منها، بل كرر لإظهار الاعتناء بما بعده وهو قوله { فِيهَا } للحصر { تَحْيَوْنَ وَفِيهَا } قدم للحصر { تَمُوتُونَ } ودخل البحر فى الأَرض لأَن المراد بها ما قابل السماءَ مطلقاً { وَمِنْهَا } قدم للحصر والفاصلة { تُخْرَجُونَ } للجزاء، وكذا فى قوله:

{ يَا بَنِى آدمَ } ناداهم ليذكرهم بعض النعم جلباً لامتثال ما هو المقصود بقوله لا يفتننكم { قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا } خلقناه، وسمى الخلق إِنزالا لأَنه بأَسباب وتدبيرات سماوية كنزول المطر للقطن والكتان وغيرهما، ولمعيشة الحيوانات ذوات الصوف وغيره وبقضاء فى اللوح المحفوظ كقوله تعالىوأَنزل لكم من الأَنعام } [الزمر: 6]وأَنزلنا الحديد } [الحديد: 25] ، { يُوارِى } يستر { سَوْءاتِكُمْ } أَى التى قصد إِبليس كشفها من أَبيكم آدم، وحتى اضطر إِلى إِلزاق الأوراق فاذكروا نعمة الله عليكم فى إِغنائه إِياكم عن خصف الأوراق، وفى عدم نزع اللباس عنكم كما نزع عنه، فهذه الآية متصلة بقوله بدت لهما سوءاتهما إلخ.. وروى مسلم عن ابن عباس أَن العرب كانوا يطوفون عراة لأنهم عصوا الله فى ثيابهم فنزلت الآية { وَرِيشًا } لباسا فاخراً تتجملون به فهو أَخص من اللباس، أَو مالا وخصبا وحسن الحال، أَو جمالا فى أَبدانكم، وأَصل الريش فى الجمال وفى المال، وشهر فى ريش الطائر وهو زينة له كاللباس للآدمى فلا حاجة إِلى دعوى أَن المراد المال أَو الجمال استعارة من ريش الطائر، ولا إِلى دعوى أَنه مصدر من قولك راشه ريشاً أَى جعل فيه مالا أَو زينة { وَلِبَاس التَّقْوَى } بالنصب عطف على لباسا من إِضافة المشبه به للمشبه. أَى وتقوى كاللباس فإِنها تقى من العذاب والخسة كما يقى الثوب من الحر والبرد وانكشاف العورة، وهى على العموم، أَو خشية الله عز وجل أَو الحياء أَو الإِيمان أَوا لسمت الحسن، أَو لباس الحرب كالدرع والمغفر، فالتقوى على هذا اتقاء ضرر العدو، وإِضافته إِضافة الآلة للعمل، ويقال إِضافة السبب، وكذا إِن فسرنا لباس بما يستر العورة، وأضيف للتقوى رداً عليهم إِذ زعموا أَن التعرى فى الطواف تقوى، أَو هو اللباس الخشن للتواضع أَو اللباس المزين لحضور مواضع العبادة تعظيماً لها أَو تمتعاً بلا رياء ولا سمعة. لأَن للزينة غرضاً صحيحاً كما قال الله جل جلاله:وَزِينَةً } [النحل: 8]ولكم فيها جمال } [النحل: 6] والأَول أَولى لأَن المتبادر أَن المقام مدح للتقوى نفسها لا لسببها { ذَلِكَ خَيْرٌ } من لباس الستر ولباس الزينة ومن كل لباس، والإِشارة إِلى لباس التقوى أَو إِنزال اللباس وهو أَولى لأَنه أَظهر فى أِنه آية كما قال { ذَلِكَ } أَى إِنزال اللباس كله { مِنْ آياتِ اللهِ } الدالة على فضله ورحمته، كما يدل له المقام، أَو من دلائل قدرته { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } يقبلون إِلى تدبر ما أَعرضوا عنه فيؤمنون بوحدانيته ويعرفون نعمته، ويتورعون عن القبائح. والمقام للخطاب إِشارة إِلى أنهم كمن يوأس منه فيترك خطابه، وإِلى أَنه يكفى فى خطابهم ما مر.