الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

{ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } آدم { وَجَعَلَ مِنْهَا } من ضلعها اليسرى، كان ضلعاً وأَخرجه عنه امرأَة بقدرته { زَوْجَهَا } حواءَ أَو منها من جنسها، وزوجها أَزواج النفس وأَولادها، كقوله تعالىجعل لكم من أَنفسكم أَزواجاً } [الشورى: 11] والخطاب فى خلقكم لبنى آدم، والمراد به المخلوق من هذه الأُمة، وتعميم الأُمم الماضية ليس مناسباً، بل الخطاب لأَهل مكة ونحوهم فى الكفر، وهو رجوع إِلى تقرير أَمر التوحيد وإِبطال الشرك، وتوبيخ للكفرة على جسارتهم على الكفر بتذكير مبادئ خلقهم (لَيَسْكُنَ) لتسكن النفس الواحدة وهى آدم. وإِنما لم يؤنث اعتباراً للمراد بالنفس، ولو أَنث لتوهم أَن الزوج وهى المراد بأَن تسكن إِلى آدم، والمستوحش بالوحدة آدم فتزول وحشته بها { إِلَيْهَا } يأْنس بها ويأوى إِليها { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } جامعها، أَنث النفس أَولا والمراد آدم، وذكرهما هنا لأَنها عبارة عنه، فلم يقل تغشته بتاء بعد الشين، لأَن الجماع أَنسب به، إِذ هو الذى يسكن إِلى الأُنثى، ويكون لها كالغشاء إِذا علاها للجماع { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } هو النطفة أَو هى وما بعدها من الأَطوار قبل أَن يكون ثقيلا، أَو يراد بالخفة عدم التأَذى به بمعنى محمولا، فحملا مفعول به، ويجوز أَن يكون باقياً على معنى المصدر فيكون مفعولا مطلقاً، والأَول أَنسب، لقوله تعالى { فَمَرَّتْ بِهِ } مشت به ولم يعطلها عن المشى ذهاباً ورجوعاً، وفى حركتها بلا مشقة، وفسر بعضهم مرت باستمرت، وادعى أَن مرور الشئ بالشئ ليس بصحيح هنا، وأَن الزوج ليست بمارة بالحمل، بل مستمرة، وقيل: من القلب فى الكلام، وأَن المعنى فاستمر بها { فَلَمَّا أَثْقَلَتْ } بكبر الولد فى بطنها صارت ذات ثقل كأَلبنت وأَتمر صارت ذات لبن وذا تمر، ودخلت فى الثقل كأَصبح دخل فى الصباح وأَمسى دخل فى المساء، وأَعرق دخل العراق، والمراد بالثقل التضرر ضد الخفة التى بمعنى عدم التضرر { دَعَوَا } آدم وحواء { اللهَ رَبَّهُمَا } وقد خافا أَن يكون ما فى بطنها حيواناً من غير جنسهما كقرد وكلب.. وقال لها إِبليس: ما هذا الذى فى بطنك؟ فقالت: لا أَدرى.. فقال: يحتمل أَن يكون كلباً أَو حماراً أَو غير ذلك، ويحتمل أَن يخرج من عينك أَو فمك، أَو يشق بطنك لإِخراجه، فعرضت الأَمر على آدم فدعوا ربهما { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا } ولدا صالح الجسم والشكل من جنسنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } من جملة الشاكرين لنعمك الدينية والدنيوية، فيكون شكرى وشكر حواء على إِيتاء الولد الصالح وسائر النعم علينا، وكل شاكر يشكرك على ماله من النعم، والقسم وجوابه مفعول لقول محذوف، أَى: { قالا لئن آتيتنا } إِلخ.. تفسير لدعوا على الاستئناف البيانى، كأَنه قيل: ماذا قالا فى دعائهما؟ أَو فقالا: لئن آتيتنا إِلخ.

السابقالتالي
2