الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا } نظر استدلال، أى كذبوا ولم ينظروا، أَو أَلم يتفكروا ولم ينظرو { فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ وَمَا } أَى وفيما { خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىْءٍ } كائن ما، وذلك عطف على خاص، وذكر الخاص لظهور عظم الملك فيه، وهو السماوات والأَرض، ويجوز عطف ما على السماوات والأَرض، والملكوت الملك مطلقاً، أَو الملك العظيم لزيادة الواو والتاءَ، أَو الملك الغائب يسمعون به وينعون إِليه كالعرش أَو الغاضب الضمنى الذى يشاهدون ما خرج منه كالنار فى ضمن الشجر الأَخضر والحجارة و الثمار فى ضمن الأَرض والماء والخشب. وقوله: وما خلق الله من شئٍ يشمل ذرات الأَجسام والأَعراض، ففى كل ذرة دلالة على الله وكمال قدرته إِذ لا يخلقها سواه، ولا يقصرها على ما هى عليه من شكل أَو لون أَو طعم أَو غير ذلك من الصفات مع إِمكان غيرها - إِلا الله. أَمرهم الله سبحانه وتعالى أَن ينظروا فى ملكوت السماوات والأَرض، وفى كل شئ، وفى أَجلهم لعله قد اقترب فيبادروه بالإِيمان والصلاح قبل نزول العذاب أَو الموت كما قال { وَأَنْ عَسى } وفى أَنه عسى { أَنْ يَكُونَ } أَى الشأْن، فقد تكرر ضمير الشأْن ومسماهما واحد، كقولك زيد عسى أَن يقوم زيد، فى مجر التكرير، وأَجاز بعض، بل سيبويه، وارتضاه ابن هشام أَن يكون اسم أَن ضميرهم، أَى وأَنهم عسى أَن يكون { قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } فاعل اقترب والجملة خبر يكون، أَو اسم يكون ضمير الأَجل على أَنه واقترب، تنازعا فى أَجل، أَو أَجل اسمه، وفى اقترب ضميره، وفيه تقديم الخبر الفعلى بحال يلبس بالفاعلية إِلا أَن يغتفر بطلب الفعل الأَول للمرفوع إِذ لا بد له منه { فَبأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ } بعد القرآن وهو أَفضل حديث وأَصدقه ونهايته فى البيان، أَو بعد هذا الحديث وهو القرآن، أَو بعد الرسول أَى بعد حديثه، وهو القرآن، والرسول أَصدق الناس، أَو بعد أَجلهم كيف يؤمنون بعد انقضاءَ أَجلهم { يُؤمِنُونَ } إِذ هو الغاية فى البيان والصدق، وكل كلام هو دونه، فلا يتصور إِيمانهم بما هو دونه، وهذا إِقناط من إِيمانهم، للطبع عليهم، فقد انسحب على هذا ما فى قوله " أَو لم ينظروا " من التوبيخ، ويجوز كونه مرتبطاً بقوله عسى أَن يكون قد اقترب أَجلهم، أَى لم لا يتوقعون اقتراب الأَجل ويتركون الإِعراض عن الإِيمان بالقرآن، وقرر ضلالهم وعلله بالضلال المطلق الذى لا هادى له. فى قوله:

{ مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلاَ هَادِى لَهُ } إِلى دين الحق { وَيَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } يترددون، والنون فى نذرهم على طريق الالتفات إِلى المتكلم من الغيبة، والواو عاطفة على جملة الشرط والجواب عطف قصة على أُخرى، لأَن الواو لا تكون حرف استئناف إِذ لا وجه لقولك أَن هذه الواو جاءَت لتدل على أَن ما بعدها مستأَنف بخلاف من الابتدائية فإِنها وضعت لتدل أَن مبدأ الفعل مدخولها، وكذلك لا تكون الواو للاعتراض، إِذ لا وجه لقولك أَن هذه الواو وضعت لتدل على أَن هذه الجملة معترضة، فلتحمل الواو فى المسأَلتين على ما يمكن من العطف أَو الحال مثلا، ولو قلت فى الاعتراضية أَنها عاطفة قبل تمام الجملة المعطوف عليها لجاز، لأَن الجمل يتوسع فيها ما لا يتوسع فى المفردات، وفى المقام مناسبة كأَنه قيل: نذرهم فى طغيانهم يعمهون لأَنهم ممن أَضل الله عز وجل.

السابقالتالي
2 3