الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

{ وَلَوْ شِئْنَا } رفعه { لَرَفَعْنَاهُ بِهَا } بالآيات والعمل بها إِلى منازل العلماء الأَبرار { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ } مال واطمأَن، والمراد فأَعرض عنها، فعبر عن الإِعراض بسببه، وهو الميل إِلى الدنيا وإِنما كان سبباً لتعلق المشيئة { إِلَى الأَرْضِ } أَى إِلى الدنيا. عبر عنها بالأَرض، لأَن الأَرض للسكنى والحركة والسكون والغرس والحرث والبناء والعيون، والتجر وكسب الأَموال والمعادن والنكاح والتسرى ونحو ذلك من الملاذ، و ذلك متاع الحياة الدنيا، أَو الأَرض عبارة عن السفالة فى الدين، وقيل: مال إِلى الخلود فى الأَرض طامعاً فيها لاسم الله الأَعظم الذى عرفه، واختيار لفظ الأَرض مشاكلة للسماء الملاحظة بذكر قوله: لرفعناه بها. { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } فى المعاصى واختيار الدنيا على الدين، وبيع الدين بالدنيا، فلم نرفعه، بل وضعناه { فَمَثَلُهُ } صفته الشبيهة بالمثل الذى هو كلام شبه مضربه بمورده فى الغرابة { كَمَثَلِ الْكَلْبِ } أَى صفة الكلب، وفسرها بقوله { إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ } تشدد عليه بالطرد { يَلَهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ } لم تحمل عليه عطف على تحمل بأَو { يَلْهَثْ } عطف على يلهث، أَى يلهث دائماً حمل عليه أَم لم يحمل عليه لضعف فؤاده، فهو يلهث وإِن لم يعى ولم يعطش، واللهث إِخراج اللسان فى تنفس، شبه بأَخس الحيوان فى أَخس أَحواله، تصوير للمقول بالمحسوس، إِذ واظب على حب الدنيا ومالها وهو وسخ الناس، وقد آتاه الله العلم والكفاف حتى أَلقى نفسه فى خسة فوق خسة الكلب اللاهث لهثاً متتابعاً فهو متابع للدنيا اتباعاً مستمراً، وهو بلعام بين باعوراء، وقيل: بلعام بن باعر. والمراد واحد إِلا أَنه اختلف فى اسمه واسم أَبيه من علماء بنى إِسرائيل. وقيل من كنعان، وكان يرى العرش إِذا نظر إِليه، قيل: كان فى مجلسه اثنا عشر أَلف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، ثم إِنه أَول من أَلف كتاباً لأَنه ليس للعالم صانع. وعن مالك بن دينار رحمه الله أَنه بعث بلعام بن باعوراء إِلى ملك مدين ليدعوه إِلى الإِيمان فأَعطاه مالا وأَقطعه أَرضا، وتبعه وترك دين موسى صلى الله عليه وسلم، قيل: وكان قد أوتى النبوة واسم الله الأَعظم وإِجابة الدعوة، ولا يصح أَنه أَوتى النبوة لأَن الأَنبياء لا يعصون صغيرة، فكيف يشركون. إِلا إِن أُريد بالنبوة علم النبوة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " من حفظ القرآن فقد طوى النبوة بين جنبيه " ، وروى أَن موسى عليه السلام أَتى أَرض الجبارين، وهى من أَرض الشام ليقاتلهم، وهم بنو كنعان، فأَتوا بلعام وقالوا: إِن موسى شديد ومعه جند عظيم جاءَ ليخرجنا من أَرضنا ويسكن فيها بنى إِسرائيل فادع الله ليردهم عنا. فقال: ويلكم، كيف أَدعو على نبى الله والمؤمنين ومعهم الملائكة وأَنا أَعلم من الله ما لا تعلمون؟ وإِن فعلت ذهبت دنياى وآخرتى، وأَلحوا عليه فقال: أَؤُامر ربى.

السابقالتالي
2 3