الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

{ وَقَطَّعْنَاهُمْ } فرقناهم، والشد للمبالغة { اثْنَتَىَ عَشْرَةَ } حال، أَو قطعنا: صيرنا، فاثنتى عشرة مفعول ثان { أَسْبَاطًا } بدل من اثنتى عشرة أَو من تمييزه المحذوف، أَى اثنتى عشرة فرقة، وقال ابن مالك: تمييز، ولعله أَراد بدل التمييز لأَنه جمع، ولو كان تمييزاً لقال اثنى عشر بإِسقاط التاءَين لأَن السبط ذكر، وقال: يسوغ إِسقاطهما ذكر أمما المؤنث، وأَيضاً جعله تمييزاً لأَنه يجوز إِطلاق الأَسباط على فرقة على أَن كل فرد منها سبط، فلكونه بمعنى فرقة ثبتت التاءَان، والسبط ولد الولد أَو ولد البنت أَو الولد، وأَولاد يعقوب اثنا عشر، وأَولاد كل واحد سبط من بنى إِسرائيل كقبيلة من العرب { أُمَمًا } بدل من أَسباطاً، وقد أَجيز الإِبدال من البدل أَو نعت، وجملة قطعناهم عطفت على ما قبلها عطف قصة على أُخرى إِذ هذه فى شأن التيه، قطعهم اثنتى عشرة ليخف أَمرهم على موسى بجعل عريف لكل سبط، ضبطاً لأَحوالهم ولا يتحاسدوا { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى } فى التيه { إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ } فيه حين عطشوا فقالوا: من أَين لنا الشراب؟ { أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الحَجَرَ } حجراً مخصوصاً خفيفاً مربعاً فى قدر رأس الرجل من رخام أَو كذان يحمله معه فى مخلاته حرصاً عليه، وهو الذى فر بثوبه ليرى أَنه غير آدر { فَانْبَجَسَتْ } فضرب فانبجست، وحذف لأَن موسى لم يتوقف، ولأَن ضربه لم يؤثر بذاته، وذلك كقوله تعالىوما رميت إِذ رميت } [الأَنفال: 17] إِلخ.. والانبجاس خروج الماء، وقيل: بقلة.. وعليه فيكثر بعد، فيجمع بين آيتى الانبجاس والانفجار، الذى هو الكثرة، وزعم بعض أَن التقدير فإِذا ضربت انبجست { مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } من كل وجه من أَوجهه الأَربعة ثلاث عيون { قَدْ عَلِمَ } عرف { كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ } موضع شربهم يجعل كل سبط جدولا من عينهم المخصوصة بهم إِلى جهة يخفونها، وذلك بتعيين، وقيل بطبع الله لهم على علم ذلك، وأناس بمعنى ناس، وكلاهما اسم جمع { وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ } عن حر الشمس فى التيه { الْغَمَامَ } السحاب يلقى ظله عليهم يسير بسيرهم ويسكن بإِقامتهم، ولهم عمود نور فى السماءِ يسيرون ليلا بضوئه { وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ المَنَّ } شئ حلو ينزل كالثلج من الفجر إِلى طلوع الشمس، الترنجين يأخذ كل واحد صاعا { وَالسَّلْوَى } جنس الطائر المسمى بالسمانى بالضم تحشره عليهم ريح الجنوب بالفتح فيأْخذ كل ما يكفيه وهو رخو بإِذن الله عز وجل لا يمتنع { كُلُوا } قائلين لهم: كلوا، أَو مقولا لهم: كلوا، أَو قلنا: كلوا { مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } من المن والسلوى والماءِ { وَمَا ظَلَمُونَا } أَى فظلموا بأَن كفروا النعم، " وما ظلمونا " أَى لم يشكروا هذه النعم فى التيه، أَولم يشكروا النعم قبل التيه فوقعوا فيه بكفرها، وما ظلمونا بذلك، ودل ذلك على الفاصلة هى قوله: { وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بتعديهم الحدود، وبطر النعم، وضرره عليهم.