الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }

{ قَالَ أنْظِرْنِى } أَمهلنى { إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أى يوم يبعث الناس، علم بالفهم أَو بوحى من الله عز وجل إِلى الملائكة أَن آدم وحواءَ ينسلان، وطلب الإِنظار إِلى يوم البعث ليصرف جهده إِلى إِغواء بنى آدم ليفسدوا، أَى كما فسدت بأَبيهم وبهم فى ضمنه، ودوا لو تكفرون كما كفروا، وأَيضا خص يوم البعث لئلا يبقى منهم أَحد إِلا طلبه بالإِغواءِ، ولئلا يذوق مرارة الموت فلا يموت لأَنه لا موت بعد البعث، فيكون حيا أَبدا فأَجابه الله بالإِنظار لكن إلى ما قبل وقت البعث { قَالَ } الله جل وعلا { إِنّكَ منَ الْمُنْظَرينَ } إلى يوم الوقت المعلوم، كما فى آيات أخر، وهو وقت نفخة الموت، ويجوز أَن يكون قد طلب إِنظار العقوبة أَى لا تعاقبنى قبل البعث، بل فى يوم البعث فيكون قد أَجاب الله دعاءه كله لا بعضه فقط كما فى التأويل الأول، وفى إِنظاره ابتلاء للناس فيشقى الشقى بمتابعته ويسعد السعيد بمخالفته، ويبعد أَن يكون الإِنظار فى قوله إِنك من المنظرين الإِنظار إِلى وقت البعث لكن يموت يوم البعث فيبعث الله الخلق عقب موته فيبعد دخوله فى قوله عز وجل إِلا من شاء الله، ويروى أَنه إِذا طلعت الشمس من مغربها سجد لله وقال: رب مرنى أَن أَسجد لآدم، فيدوم فى سجوده، وقوله ذلك حتى تخرج الدابة فتقتله، والله أَعلم بصحة ذلك. وفى آية أُخرى: مالك أن لا تكون، إِلخ، وفى أُخرى أَن تسجد، فقد جمع مخالفة الأَمر ومفارقة الجماعة والتكبر وتحقير آدم، ووبخ فى الأىِ الثلاث لا فى البقرة والإِسراء والكهف وطه، وطلب الإِنظار هنا، وأَجيب إِليه زيادة فى عذابه إِذ قد يجاب الكافر إِلى دعائه، فقال ما ذكر الله عز وجل عنه بقوله:

{ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } الفاء لعطف أقسم على إِنك من المنتظرين، ومحط التفريع هو قوله تعالى { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } ومعنى التفريع أَنه بنى على إِنظاره قعوده وإِتيانه المذكورين، وانتفاءَ شكر الأَكثر، والباء للقسم كما فى قوله تعالىفبعزتك لأَغوينهم } [ص: 82] إِلخ، والقرآن يفسر بعضه بعضا، ولو جعلناها سببية لم نجد لها متعلقا إِذ لام لأَقعدن مانعة من تقديم المعمول فتحتاج إِلى تقدير متعلق مثل فبما أَغويتنى أَجتهد فى إِغوائهم، وهو دون تقدير فعل القسم، وأَيضا لأَقعدن جواب قسم ولا بد، فالقسم بهذه الباء أَولى من تقدير قسم آخر، وما مصدرية أَى باغوائك إِياى، أَقسم مرة بفعل الله وهو إِغواؤُه عز وجل إِياه لعنه الله، وهو خلق الغواية فيهِ، وأَصل اللفظ الفساد، يقال غوى الفصيل بمعنى فسد بطنه باللبن وهى بمعنى الضلال، ومرة بصفة الله وهى عزته تعالى، والمعتزلة يؤولون الإِغواءَ بإِحداث سبب الغى، أَو بالنسب إِلى الغواية، وهو من معانى أَفعل كما ذكرته فى شرح لامية ابن مالك، أَى نسبتنى إِلى الغى، ويرده ضعف هذا المعنى وكونه خلاف الأصل، كما أَن تفسيره إِحداث سبب الغى خلاف الأَصل، وبأَن ذلك كلام إِبليس غير حجة، ودعاهم إِلى ذلك الفرار من أَن يكون الله خالقا للأَفعال ولا سيما أَفعال المعصية، وقد أقر إِبليس لعنه الله عز وجل خلق المعصية ثم دعاهم إِلى نفى ذلك، وهذا كما قال قائل:

السابقالتالي
2