الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ وَاكْتُبْ } أَوجب أَو أَثبت أَو أَقسم، واختار الكتب لأَنه أَدوم، أَو وفقنا للحسنات التى يكتبها الحفظة { لَنَا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً } ما يحسن من طاعة ونعمة وعافية وسهولة الموت { وَفِى الآخِرَةِ } حسنة تسهيل القبر والحشر والحساب والموقف والجنة، وكأَنه قال: اقبل وفادتنا، واجعل جائزتنا المغفرة والرحمة { إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ } رجعنا إِليك بالتوبة، تعليل جملى للدعاء، فإِن الدعاءَ مما يوجب قبوله، وأَصل الهود الرجوع برفق، سميت به اليهود مدحاً، ولما بدلوا كان ذماً لهم لازماً باعتبار المسمى لا باعتبار مدلول اللفظ، والمراد هدنا إِليك من معصيتنا، والعجب ممن يخطِّئ نافعاً وغيره فى ضم الهاء، ورغم أَنه لا يقال هاد يهود، بل هاد يهيد بمعنى مال يميل، كما قرأَ زيد ابن الإِمام على بن أَبى طالب، فإِن الضم قراءَة متواترة، والقراء إِنما أَخذوا القراءَات عن الصحابة كنافع عن ابن عمر وعن التابعين، ويجوز أَن يكون مبنياً لمفعول، من هاده يهيده حرَّكه، فهم حركوا أَنفسهم أَو حركهم الله أَو الوعظ على لغة من يقول فى باع بوع { قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ } تعذيبه لخذلانه أَو تكفير الذنوب به كما أمروا بقتل أَنفسهم وكإِعلاء الدرجات، لا اعتراض على، فإِن المخلوقات كلها ملك لله عز وجل، ولا اعتراض على من تصرف فى خالص ملكه وملك المخلوق غير خالص، فيعترض عليه بالأَمر الشرعى كالنهى عن الإِسراف وظلم العبد وإِخراج الزكاة { وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ } فى الدنيا بالإِحياء والصحة والعقل فيمن عقل والرزق للمؤمن والكافر والمكلف وغير المكلف ودفع البلاء وغير ذلك. قيل: هذا معنى رحمتى سبقت غضبى. ويروى غلبت غضبى، وإِذا صار الناس إِلى الآخرة وجبت الرحمة للمؤمنين خاصة والكافر كالمستضئ بنور غيره، فإِذا ذهب نور السراج بالسراج بقى فى الظلمة، عبر بالمضارع فى العذاب وبالماضى فى الرحمة وسعتها، قيل: لأَن الرحمة مقتضى الذات، والعذاب مقتضى المعاصى، والمشيئة معتبرة فى جانب الرحمة أَيضاً، ولم يقل: { وسعت كل شئ } مما أَشاء، أَو وسعت من أَشاءَ تعظيماً لأَمر الرحمة، وقيل: للإِشعار بغاية الظهور، لما نزل ذلك قال إِبليس والمشركون بلسان الحال: أَنا من كل شئ، فنزل قوله تعالى: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الشرك والكبائر، تعريض بأَن هؤلاء غير متقين، والسين للتأكيد لا للاستقبال، والمضارع للحال، أَو بمعنى الماضى، وما قبل هذا إِجمال، وهذا الكتب تفصيل خصوص، وقال بعض إِن المراد بالذين يتقون عموم المتقين من غير أَهل الكتاب، ومن أَهل الكتاب، ونسبه بعض للجمهور { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } المفروضة، لم يذكر الصلاة اكتفاء بالتقوى، إِذ تركها أَعظم ما يتقى بعد الإِشراك من حقوق الله عز وجل، وزعم بعض أَن إِيتاءَ الزكاة هنا تزكية النفس بطاعة الله ورسوله، قيل: ذكر الزكاة لمشقتها على بنى إِسرائيل لمزيد حبهم للدنيا { وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } فقالت اليهود والنصارى بلسان الحال: نحن نؤمن بالتوراة والإِنجيل ونؤدى الزكاة، فنزل رداً عليهم قوله تعالى:

{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ } فى شرعه كله إِذا أَدركوه، أَو قومك الآن باعتقاد الإِيمان به، فمن لم يؤمن به من قومك هلك، والرسول أَخص من النبى، وقدم مع ذلك، والغالب تقديم الأَعم، وأَما ما قيل: الرسالة من الله والنبوة الإِخبار منه للعباد، وما قيل أَن النبى نبئَ من الله وما لا تستقل العقول بإِدراكه، وأَنهما مفهومان مفترقان فلا يكفى جواباً { النَّبِىَّ الأُمِّىَّ } وإِنما آخر الصفة العامة وهى النبى لتخصيصها بالأُمى، فالنبى بهذا أَخص من الرسول، ولا سيما أَنه ذكر بلفظى النبى والأُمى فى التوراة، وذلك بحسب الوضع الشرعى والاستعمال، وأما بحسب الوضع واللغة فكل منهما عام وقد جاءَ رسولا نبياً، والأُمى نسب إِلى الأُم كأَنه كما ولد من أمه { الَّذِى يَجِدُونَهُ } أَى باسمه وصفته ولحذفهما أَفرد قوله { مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ } لا يغيب عنهم لظهوره فى التوراة وتكرره فيها { فِى التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ } اسمه فيها " المنحمنا " بضم الميم الأُولى وكسر الثانية أَفصح من فتحها، وهو بالسريانية فى التوراة ومعناه محمد الذى يحمده الخلق وفى الإِنجيل أَحمد، وبسطت الباب فى شرح نونية المديح: " تيمم نجدا فى تلهفه الجانى " وهو أَكثر من ثلاثة مجلدات.

السابقالتالي
2 3 4