الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ }

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَخَذُوا العِجْلَ } أَى إِنهم، ووضع الظاهر موضع المضمر، أَى إِنهم صاغوه من الحلى، أَو اتخذوه إِلهاً، وفى التوراة: لا تتخذوا الصور المنسوبة للحياة، ولم يخص النهى بعبادتها، { سَيَنَالُهُمْ } فى أَنفسهم وأَعقابهم، وما ينال العقب كأَنه نال السلف فى التوجع وبالعكس { غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا } هذا من جملة ما أَوحى الله إِلى موسى صلى الله عليه وسلم حين أَخبره بأَمر العجل عند الطور، أَو فى رجوعه قبل الوصول أَو بعد الوصول، فالاستقبال باعتبار تلك الأَزمنة لا باعتبار نزول القرآن، وغضب الله هنا فعل لا صفة لأَنه عذابهم فى الدنيا والاخرة، إِلا أَن يقال سينالهم مقتضى غضبه أَى علمه وقضاؤه. والمراد القتل لأَنفسهم ومن غيرهم والجزية والجلاء والمسكنة وعذاب جهنم، وهوانهم فى الدنيا والآخرة، ومن ذلك لا مساس، قيل: وتحريق إِلههم ونسفه فى اليم، ولعل تحريقه ونسفه لا يحزنون به لأنه يتبادر لما زجرهم عليه السلام ثابت إِليهم عقولهم، وقد شاهدنا قضية لا مساس بمد الغربى أَو غيره يده إِلى يده فيغطى يده بنحو ثوب فيمس بها مطوية يد المغربى، وأَقروا أَن ذلك لحمى تصيبه بالمس مباشرة { وَكَذَلِكَ نَجْزِى المُفْتَرِينَ } أَى نجزيهم على هذا الوصف وهو الافتراء بالإِشتراك، وهو تكرير لذكر فعله بهم، ووصف الشئ غير وقوعه، فليس ذلك تشبيه الشئ بنفسه، أَو المراد المفترون غير هؤلاء أَو هؤلاء مع غيرهم إِن حييوا، أَو تكرر افتراؤهم ولا فرية أَعظم من قولهم: هذا إِلهكم وإِله موسى، فإِن فرعون فى عتوه لعله لم يقل لقومه هذه الآلهة آلهة لكم ولموسى، ولعله لم يفتر أَحد مثلها قبلهم ولا بعدهم ولا معهم، ووصفهم بالافتراء لا ينافى أَنهم ماتوا شهداءَ بقتلهم أَنفسهم توبة وطاعة لأَمر الله كما تصف الزانى بالزنى بعد توبته، والقاذف بالقذف بعد توبته ولو أَخرج الحد منهما، يزنى ويتوب وترجمه وتجلده فتقول: زنى وفعلنا به ذلك، وتقول افترى ولو جلد، إِلا أَنه ليس كل مفتر على الله يجزى بهذا الجزاء الذى منه قتلهم أَنفسهم الذى فى ظاهره قهر وباطنه لطف، والجواب أَن التشبيه فى نفس الجزاء لا فى خصوص الجزاء، وقيل سينال أَولاد الذين عبدوا العجل، وهم الذين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذلة والغضب ما أَصاب النضير وقريظة من القتل والجلاء والجزية، أَو ذلك من تعيير الأَبناء بما فعل الآباء. وقيل المراد بالذين المتخذون، وبهاء ينالهم أَخلافهم، وبالغضب الغضب الأُخروى، وبالذلة الجزية ونحوها كما فعل بهم بخت نصر.