الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ }

{ واتَّخَذَ } صاغ { قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ } بعد ذهابه إِلى الطور للمناجاة، وأخذه العهد منهم أَلاَّ يحدثوا فى الدين ولا يشركوا ومن للابتداء، وقيل زائدة بخلافها فى قوله: { مِنْ حُلِيِّهِمْ } فإِنها فيه للتبعيض لا لمعنى واحد، فصح تعلقها بعامل واحد بلا تبعية مع جواز تعلقه بمحذوف نعت لقوله { عِجْلاً } ولو نكرة لتأَخره، والأَصل حلوى - بضم الحاء واللام وإِسكان الواو - والإِعراب على الياء، قلبت الواو ياء، وأدغمت فى الياء، جمع حلى بفتح فإِسكان، و هو ما يتزين به من ذهب وفضة وغيرهما، استعاروه بأَمر الله حين أَرادوا الخروج من مصر، قبل غرق فرعون، وأَبقاه الله عز وجل ملكاً لهم، وليس غنيمة لأَنه بلا قتال، ولا تحل لهم الغنائم، وقيل استعاروه لعرس وأَحل الله عز وجل لهم أَن يملكوه بعد غرق فرعون وقومه كما ورثوا أَرضهم وسائر أَموالهم، وأَضافه إِليهم لملكهم إِياه بعد الغرق، والعجل ولد البقرة { جَسَدًا } مستقلا لا صورة منقوشة فى الحائط، بدل من عجلا لا نعت له، لأَنه جامد غير مؤول بمشتق إِلا أَن يسوغ ذلك بجعل له نعتاً رافعاً لخوار على الفاعلية فيكون من النعت الجامد لوصفه بمشتق، أَى جسداً ثابتاً له خوار، كقوله عز وجلبشراً سويا } [مريم: 17] وأَجاز بعضهم عطف البيان فى النكرات { لَهُ خُوَارٌ } صوت البقر، يخور ويمشى عند السدى، أَو يخور ولا يتحرك عند وهب، وقيل يمشى، وكان لحماً ودماً، وإِذا خار سجدوا له حتى يسكت، وقيل خار مرة واحدة، ذبحه موسى عليه السلام، والذبح دليل اللحم والحياة، وكذا الخوار، وحرقه وأَلقاه فى البحر، صوره السامرى من الحلى، وكان حدادا مطاعا فى قومه، وأَلقى فيه أَو فى فمه من تراب أَثر فرس جبريل حين رأَى أَثره ينبت فى الحين، وقد سأَله قومه إِلهاً يعبدونه. وقيل: وقعت فيه قوة من جبريل وهو روح الحياة فحيى، وذلك بأَمر الله لا كلما مر بشئ، وإِنما شاهد أَثر الفرس حين جاءَ جبريل على صورة فرس أَنثى ليتبعه خيل فرعون وقومه، وكانت ذكوراً فيغرقوا، وأَمسكه عنده، أَو كان ذلك عند ذهابه إِلى الطور مع موسى، وظاهر ذلك أَنه عندهم إِله مستحدث، لا ما قيل أَنهم من أَهل الحلول، ادعوا حلول الله فى تلك الصورة، وأَنهم لذلك قالوا: وإِله موسى، وإِنما قالوه توهما أَو خداعاً، وقيل: الخوار مجاز صورى، وكذا العجل جعل فى جوفه أَنابيب على شكل مخصوص موجه للريح، فيخرج منه صوت كصوت البقر، وليس لحماً ولا دماً، وهو قول جمهور المعتزلة، ولو كان ذلك لما احتاج إِلى أَثر الرسول، إِلا أَن يقال: أَحدث فيه أَثر الرسول صوتاً كصوت البقر بلا حياة ولا انقلاب لحماً ودماً، ولا حاجة إِلى أَنابيب { أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ } كما يتكلم الإِنسان، وكما كلم موسى ربه { وَلاَ يَهْدِيهِمْ } كما يهدى الإِنسان آخر، وكما هدى الله قوم موسى { سَبِيلاً } نفى للتعجب منهم، ومن إِخلالهم فى النظر ومن ضلالهم، إِذ جعلوه إِلهاً وعبدوه حتى أَنه يلزم على ذلك أَنه خالق للأَجسام والأَعراض مع أَنه لا يوجد منه كلام إِلا الخوار، ولا يرشدهم لسبيل { اتَّخَذُوهُ } صاغوه من الحلى فهو تأكيد لما سبق ذماً لهم، أَو اتخذوه إِلهاً { وَكَانُوا ظَالِمِينَ } عطف أَو حال، ومن شأْنهم الظلم بالذنوب لأَنفسهم ولغيرهم فلم يكن ذلك بدعا فيهم، والظلم أَيضاً النقص من الحق وأَيضاً وضع الشئ فى غير موضعه.