الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } * { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }

{ وَمَا تُنْقِمُ مِنَّا } ما تكره منا كراهة شديدة أَو ما تنكر منا أَو ما تعيب علينا، أَو ما تطعن علينا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا } ومصدر آمنا مفعول به لتنقم أَو مفعول لأَجله، أَى إِلا إِيماننا ولا خير إِلا فيه، وكل ضر فى خلافه فلسنا نرجع عنه فاقض ما أَنت قاض، فلسنا نهاب الموت بالقطع والتصليب، والاية من تأكيد المدح بما يشبه الذم، قال السعد: ولكن ليس من قبيل قوله:
ولا عيب فيهم غير أَن سيوفهم   بهن فلول من قراع الكتائب
بل من ضرب آخر وهو أَن يؤتى بالمستثنى مفرغاً إِليه، والعامل مما فيه الذم، والمستثنى مما فيه المدح، قلت: هما من باب واحد. ومرادهم بالآيات العصا تعظيماً لها، أَو العصا وما قد شاهدوه معها كاليد البيضاء، أَو انقلاب العصا ثعباناً وكونه عظيماً، وبلعه ما صنعوا وعدم عظمه بما بلع، أَو عدم رجوع ما صنعوا وعدم بقاء أَثره كروث ورماد، ورجوعه عصا كما كان، والسابق يلائم العصا وأَحوالها، وأَما غيرها فلو كان لا يلائم المقام لكن لا مانع من حضور الإيمان بشئ فى غير وقته السابق { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } حتى لا نرجع للكفر بعد الإِيمان بفعل فرعون. وإِفراغ الإِناء صب ما فيه وهو تصييره فارغاً فاستعمل فى إِلقاء الصبر عليهم تشبيها بإِلقاء ما فى الإِناء، أَو المعنى ربنا آتنا صبراً واسعاً بحيث يغمرنا ويحيط بنا كما يحيط الماء، فالإِفراغ مستعار للإِفاضة المستعارة لإِلقاء الصبر، أَو شبه الصبر فى الكثرة وغمره بالماء الذى يحيط، ورمز إِليه بالإِفراغ، أَو شبه الصبر بالماء بجامع التطهير كما أَن الماءَ يطهر الدنس فإِن الصبر على فعل فرعون يطهر الذنوب، وذلك استعارة { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } غير مفتونين عن دين الإِسلام، فقيل أَنه صلبهم وقطعهم، وقيل لم يفعل ذلك، ولم يقدر عليه لقوله تعالى " أنتما ومن اتبعكما الغالبون " والمشهور الأَول، والغلبة لا تتعين بعدم فعل ذلك، فإِنها بالحجة وإِنها بالإِغراق، وأَن ابن عباس قال: صلبهم وقطعهم من خلاف، ولا يدل طلب التوفى على الإِسلام على عدم فعله، كما قيل بجواز أَن يتوفاهم الله بالقطع والتصليب على الإِيمان، ولا يدل مبالغته فى الصبر عن الإِيمان على أَنه صلبهم وقطعهم لجواز أَن لا يصل ما رغب فيه، وهاب لعنه الله موسى عليه السلام بعد ذلك أَن يأخذه أَو يحبسه، وخلى سبيله خوفاً منه شديداً، ولم يرض قومه بذلك، فقالوا له ما ذكر الله بقوله:

{ وَقَالَ المَلأُ مِنْ قَوْمٍ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ } أَرض مصر { وَيَذَرَكَ } خص موسى بالذكر هنا بياناً لكونه عمدة، وإِفسادهم تبع لإِفساده { وَآلِهَتَكَ } والاستفهام إِنكار للياقة، وليفسدوا إِغراء بتعليل بالغوا فيه، بأَن قصدك ترك موسى وقومه لأَجل أَن يفسدوا، أَو كأَنك تركتهم ليفسدوا، أَو اللام للعاقبة، أَى يفسدوا كل ما وجدوا صالحاً من الدنيا والدين، فالحذف للعموم، أَو نزل منزلة اللازم أَى ليوقعوا الفساد، أَو يقدر ليفسدوا الناس، كما روى أَنه لما آمنت السحرة تبعه ستمائة أَلف من بنى إِسرائيل، وواو قوله " ويذرك " عطف أَو معية ليذرك، أَو أَتذر موسى وقومه مع تركه آلهتك؟ وقد جعل لهم أَصناماً آلهة صغاراً يتقربون إِليه بعبادتها، وقال: أَنا ربها وربكم، ولذلك قال

السابقالتالي
2