الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ }

{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ والْحَيَاةَ } بدل من الذى بيده الملك، والموت صفة وجودية تضاد الحياة، وقيل زوال القوة الحيوانية وإِبانة الروح عن الجسد، والحياة القوة الحساسة مع وجود الروح فى الجسد، ويدل على أنه وجودى إِيقاع الخلق عليه لأَن الخلق إِيجاد والإِيجاد يحصل الوجود وفى معناه عد التروك أَفعالا، كما سمى الله تعالى ترك الواجب كسباً وفعلا وعملا وأيضاً العدم أزلى لا أول له، وحدث الوجود بإِيجاد الله عز وجل، وأما ما ورد فى الحديث أن الله عز وجل يحضر الموت يوم القيامة بصورة كبش يعرفه أهل المحشر أنه الموت فيذبح فيأيسون من الموت، وفى كلام ابن عباس أن الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ إلا مات، وخلق الحياة بصورة فرس أبلق لا يمر بشئ إِلا وجد ريحه وحيى تمثيل، وقال قومنا ذلك على ظاهره،وأن هذا الفرس هو الذى أخذ السامرى من أثره تراباً وألقاه على صورة العجل فحيى بإِذن الله عز وجل، وأن الأَنبياء يركبونه، وقيل الموت أمر عدمى وهو عدم الحياة عما شأْنه الحياة، واختاره بعض وأجاب قائله عن إِيقاع الخلق بأَن الخلق بمعنى التقدير وهو يتعلق بالأَمر العدمى كما يتعلق بالوجودى، ويبحث بأَن فى إِيقاع الخلق على العدم نفى الأَزل فيقال: لم يزل الله يخلق عدماً فلا أول لخلقه فلا أزل، وذلك لا يجوز كما لا يجوز أن يقال لم يزل الله يخلق الأَشياء بلا أول لخلقه. وإِن قال الموت ليس عدماً مطلقاً صرفاً بل عدم شئ مخصوص ومثله يتعلق به الإِيجاد والخلق فذلك رجوع إِلى كونه وجودياً، وقال أيضاً الخلق بمعنى الإِنشاء والإِثبات ويبحث بأَن الإِنشاء أَو الإِثبات هو نفس الإِيجاد، فإِن الإِنشاء أو الإِثبات لا يتصور إِلا بحصول شئ أنشئ أو أثبت وذلك إِيجاد. وقال أيضاً لعل الكلام على حذف مضاف أى خلق أسباب الموت ويرده أن لا دليل على الحذف قيل ولعل المراد خلق زمان الموت والحياة، ويبحث أيضاً بَان الأَصل عدم الحذف والحياة صفة وجودية وهى ما يصح بوجوده الإِحساس. قيل أو معنى زائد على العلم والقدرة يوجب للموصوف به حالا لم يكن قبله من صحة العلم والقدرة وإِطلاق الموت على ما لم تسبق له حياة مجاز وفى ذكر الموت زجر عن الكسل والمعصية وحث على الطاعة وجاء: " أكثروا ذكر هادم اللذات " لأن الموت باب الجزاء وفى ذكر الحياة دعاء إِلى الشكر وقدم ذكر الموت لأَنه رجوع إِلى الأَصل الذى هو العدم ولأَنه زجر من أعظم الزواجر كما هو قاهر، ولأَن تذكره داع إِلى العمل ولأَنه نعمة يتوصل بها إِلى ثواب ما عمل فى الحياة من الخير، كما أن الحياة نعمة يتوصل بها إِلى عبادة الله عز وجل ولينغص ما ذكر بعده من الحياة فلا يغتر بها.

السابقالتالي
2 3