الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

{ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلى اللهِ } من الذنوب كلها، وفى البخارى عن الأَغر بن يسار المزنى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يا أيها الناس توبوا إِلى الله تعالى فإِنى أتوب إِليه في اليوم مائة مرة " ، وهذا تفسير لقوله - صلى الله عليه وسلم - " والله إِني لأَستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة " رواه مسلم عن أبى هريرة، وفى البخارى ومسلم " لله أفرح بتوبة عبده المسلم من أحدكم سقط عن بعيره و أضله في أرض فلاة... " الحديث.

وفى مسلم عن أبى موسى الأَشعرى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - " أن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " وعن عبد الله بن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إِنَّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " رواه الترمذى. { تَوْبَةً نَّصُوحًا } خالصة خلوصا عظيما كعسل ناصح أى خالص من الشمع، وليس إِسناد الخلوص إِلى التوبة مجازاً فى الإِسناد، وإِن قلت ضربته ضرباً شديداً لم تكن الشدة مجازاً للضرب بل حقيقة، ونسبة الخلوص للأمر حقيقة وذلك أن النصح بمعنى الخلوص وأنه لازم، وإِن قلنا إِنه متعد بمعنى نصح الفاعل أو نصح الناس إِذا رأُوا أثرها فيفعلون مثلها، فالإِسناد مجاز عقلى لأَن الناصح هو الإِنسان ينصح نفسه بالتوبة لا التوبة ويصلح فساد المعصية، وفسر بعضهم النصوح أنها تنصح صاحبها، وقيل الناس لظهور أثرها فيقتدون بها، قال معاذ ابن جبل يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال: أن يندم العبد على الذنب ويعتذر إِلى الله عز وجل ولا يعود إِليه كما لا يعود اللبن إِلى الضرع، وروى هذا موقوفاً عن عمر وابن مسعود وأُبى، وفى الحديث مرفوعاً " الندم توبة " ، وعن محمد بن كعب القرظى التوبة النصوح الاستغفار باللسان والإِقلاع بالأَبدان وإِضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سىء الإخوان، وعن الكلبى الاستغفار باللسان والندم بالجنان والإِمساك بالأَبدان.

وسمع على أعرابياً يقول: اللهم إِنى أستغفرك وأتوب إِليك، فقال يا هذا إِن سرعة اللسان بالتوبة توبة الكذابين، قال: فما التوبة، قال: الندم على الذنب الماضى، وإِعادة الفرض الذى لزمه، ورد المظلمة إِن كانت لمخلوق، واستحلال الخصم، والعزم أن لا يعود، وإِذاقة النفس مرارة الطاعة، وإِذابة النفس فيها كما رباها بالمعصية وحلاوتها، والندم خوف العقاب توبة، والندم طمعاً فى الجنة توبة، والندم إجلالاً لله تعالى توبة وهذه أقوى، ولا بد فى الكل من قضاء حق الله أو حق المخلوق، كقضاء صلاة، أو صوم تركه، وإِعطاء كفارة لزمته، أو ما للضعفاء، وضمان مال أو بدن أفسده أو عرض نقصه، كما لا يحل، وأن يذعن لما لزمه من ضرب أو قتل أو حبس، وأن لا يبغض من تبرأ منه، والندم خوف الجلد أو الحد أو القطع أو الرجم أو نحو ذلك أو لتعيير الناس أو أمر دنيوى ليس توبة، وإِن اجتمع بعض هذه مع ما هو توبة، فالتوبة على حالها والتوبة واجبة على الفور من الذنب مطلقاً، وذكر بعض أن تأخيرها ساعة ذنب آخر أو ساعتين ذنبان وهكذا.

السابقالتالي
2 3