الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ }

{ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } على حد ما مر قبله إِلا أن ما مر فى أن وصلة المؤمنين لا تنفع الكفرة، وهذا فى أن وصلة الكفرة لا تضر المؤمنين، كما لا يضر كفر فرعون زوجه المسلمة آسية بنت مزاحم، هى فى أعالى الجنة وهو فى أسافل النار.

{ إِذْ قَالَتْ } متعلق بمضاف محذوف مبدل من امرأة بدل اشتمال، أى وضرب الله مثلاً لامرأة فرعون قولها إِذ قالت.

{ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ } أى فى محل رضاك، وهذا معنى العندية وهى الرتبة الشريفة وهو متعلق بابن، وكذا إِن قدر مضاف أى عند عرشك، ويجوز كونه حالاً من قوله.

{ بَيْتًا } ولو نكرة لتقدمها عليه ولو تأَخر لكان نعتاً، وعليه فقدم لمزيد التشريف بالعندية وللاهتمام بها.

{ فِي الجَنَةِ } بدل من عند، قيل أو عطف بيان وعلى تعلقهما معا بابن قيل قدم عند إِشارة إِلى قولهم الجار قبل الدار، بمعنى إِذا أردت سكنى دار أو شراءها مثلاً للسكنى فاعرف أولاً من جارها لعله جار سوء فتجتنبها أو جار خير فترغب فيه، والله الرحمن الرحيم خير جار وخير ولى.

{ وَنَجِنِي مِن فِرْعَوْنَ } جسده ونفسه الخبيثة.

{ وَعَمَلِهِ } هو الإِشراك وسائر المعاصى ومنها قتله وتعذيبه من لا يستحق ذلك، وقدمت فرعون على عمله لشدة بغضها عمله حتى كأنه شئ متجسد تلطخ به بدنه مما هو مستقذر أو اعتبرت فرعون عامًا بجسده وعمله لاشتماله على اعتقاده وما يتولد منه متضمنًا له كأَنه راسخ فى جوارحه وسائر جسده، فعطفت عليه عمله عطف خاص على عام لأَنه الطامة الكبرى من حيث وجوده خارجاً ودخل فى عمله جماعة إِياها، وليس فى شريعتها تحريم تزوج مسلمة بمشرك، ويقال هى عمة موسى آمنت بموسى حين سمعت بتلقف العصا ما سحر به فعذبها بأَربعة أوتاد فى يديها ورجليها، وإِذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة عليهم السلام وزادهم الله قوة على عبادته، وأضجعها على ظهرها وعلى صدرها رحا واستقبل بها عين الشمس، ورفعت رأسها إِلى السماء وقالت رب ابن لى عندك بيتاً فى الجنة، فأَجاب دعاءَها فرأته فى حينها وهو من درة بيضاء، وقيل أمر أن تلقى عليها صخرة عظيمة فرفع الله عز وجل روحها فأُلقيت على جسد لا روح فيه، وهى تأْكل وتشرب فى الجنة بروحها إِلى قيام الساعة، والآية وأمثالها دلائل على أن الدعاء بالنجاة عند الملمات مشروع.

{ وَنَجِنِي مِنَ القَوْمِ الظَالِمِينَ } القبط وغيرهم من أعوان فرعون من مصر أو غيرها { وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ } عطف على امرأة فرعون، فقد انسحب عليها ضرب المثل، إِذ كانت فى قوم كثيرين مضرين لها وباهتين لها وكافرين بحالها وحال ابنها، ولم يصدها ذلك عن عبادة الله تعالى وما ضرها كفرهم، ونالت على مقاساة أهله والتمسك بدين الله عز وجل خير الدنيا والآخرة، وفى الآية تسلية لمن لا زوج لها من النساء بعدها إِذا تمسكن بعبادة الله تعالى وتورعن.

السابقالتالي
2 3