الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى } عن أَهلكم وأَموالكم وأَولادكم، والقائل الملائكة كما يناسب قوله:والملائكة باسطو أَيديهم أَخرجوا أَنفسكم } [الأنعام: 93]، بدليل جئتمونا، وخلقناكم، وخولناكم، أَو القائل الله لتلك المناسبة، أَو فرادى عن الأَعوان أَو الشركاء، ويناسب فرادى عن أَهلكم وأَموالكم قوله تعالى { كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } ويناسب فرادى عن الأَعوان والشركاء قوله تعالى { وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ } قال عكرمة: قال النضر بن الحارث: سوف تشفع لى اللات والعزى، فنزلت الآية، والمراد: يقول ملائكة العذاب، أَو ملائكة الموت، أَو يقول الله يوم الموت أَو يوم البعث، وهو أَظهر، لقوله عز وجل: { كما خلقناكم أَول مرة } وعلى إِرادة الملائكة فإِنما قالوا ذلك عن الله، كما يقول عامل السلطان: أَمرناكم بكذا، أَو نهيناكم عن كذا والآمر والناهى السلطان، ولا داعى إِلى اختيار الفخر لهذا ولو كانوا حين ماتوا فرادى عن ذلك، ويجوز تقدير قال الملائكة، أَو قلنا لتحقق الوقوع، أَو لحكاية ما يعبر عنه يوم القيامة فيهم من المضى ـ فرادى جمع فرد أَو فريد، أَو فردان كسكران عند الفراء، وقال ابن قتيبة: جمع فردان كسكران وسكارى وعجلان وكسلان، وقيل جمع فريد كرديف وردافى وأَسير وأَسارى، والمشهور أَن أَسارى جمع أَسرى، وأَسرى جمع أَسير، وأَلفه للتأْنيث، وقيل: فرادى اسم جمع من معنى قوله { كما خلقناكم أَول مرة } أَى مجيئاً ثابتاً، أَو مجيئاً مثل مجيئكم يوم خلقناكم، ووجه الشبه عدم الاقتران بشئ حتى اللباس، أَو حال من ضمير فرادى، أَى انفردتم ثابتين فى الشبه كحال ابتداء خلقكم، أَو حال ثانية، أَو بدل من فرادى، والخلق فى البطن وهم فيه مجردون عما قرنوا به بعد الولادة من لباس وغيره، أَو خلقناكم بمعنى أَخرجناكم من بطون أمهاتكم، يخرجون غرلا كما جاءَ فى الحديث، أَى غير مختونين، وكذلك المرأَة المختونة تبعث غير مختونة، وكل شئ ذهب من جسد إِنسان يبعث راجعاً فيه، " وقرأَت عائشة رضى الله عنها هذه الآية فقالت: يا رسول الله، واسوأَتاه، إِن الرجال والنساءَ سيحشرون جميعاً ينظر بعضهم إِلى سوأَة بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، لا ينظر الرجال إِلى النساء، ولا النساء إِلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض " ، وسمى الإِخراج خلقاً لأَن الجنين لم يتحقق بالمشاهدة حتى ولد فاستعار الخلق للإِخراج، وكأَن الخلق سبب للإِخراج، والأَول أَولى لأَنه حقيقة. كما جاءَ فى القرآن إِطلاق الخلق فى النطفة وما بعدها، ومرة مصدر استعمل بمعنى زمان، والخلق الثانى الإعادة للبعث، فأَول ظرف لإِضافته للظرف وعطف على قوله: جئتمونا فرادى قوله وتركتم عند الموت ما خولناكم أَعطيناكم تفضلا منا عليكم فى الدنيا من مال وصحة وجاه لتطيعوا الله، ولم تطيعوه، بل شغلكم ذلك عن الطاعة، ولم تنتفعوا به، كما قال: { وراءَ ظهوركم } ، والجملة حال من تاء جئتمونا بلا تقدير لقد أَو بتقديرها، والمراد ما قدمتم منه شيئاً ينفعكم اليوم ولو قليلا، ولا صحبتم منه نقيراً، فقد وردتم الموقف منفردين عما لكم وعما بين أَيديكم فى الدنيا، وعن حسنة تنفعكم إِذ لا ينتفع مشرك بحسنة تمنعه من النار، وعبدتم غير الله، ولم تنفعكم عبادة غيره كما قال: وما نرى معكم شفعاءَكم الذين زعمتم أَنهم فيكم شركوا الله فى العبادة والربوبية بخلاف المؤمن فإِن عمله الصالح صاحبه من حين موته إِلى أَن وافى به عرصات الموقف، ومن المؤمنين من يبعث فى كفنه أَو لباس يجده عند مبعثه، وحديث بعث الناس عراة ليس على عمومه: يحشر الناس حفاة عراة غرلا، أَى غير مختونين، وليس فى الاية ما يناسب أَن يقال المراد كما خلقناكم أَول مرة غرلا حفاة عراة، بل المراد عدم النعال واللباس ونحوهما، وذلك أَنهم لم ينفردوا عن الغرلة، وهى قلفة الختان حين البعث، نعم يصح فى الإعراب بالحال أَن تراد الغرلة، أَى فرادى عن الأَموال والأَهل والأَزواج ونحوهم حال كونهم غرلا كما أَنكم فى الدنيا قبل الولادة غرل، فيكون الكلام أَشد انتظاماً { لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } أَى تقطع هو، أَى الوصل، دل عليه المقام فإِن الشركاءَ تقتضى الوصل، أَو تقطع التقطع أَى وقع، وأَما عود الضمير إِلى التقطع بلا تأويل بوقع فلا يجوز كما لا يجوز قام أَى هو أَى القيام وأَما وثمَّ بدا لهم من بعد ما رأَوا آيات فلا يرد ذلك لأَن بداء البداء مشهور ولجواز بدا لهم السجن وغير ذلك من التأويل وأَجاز الكوفيون حذف الفاعل وحذف الموصل وبقاءَ صلته ولو لم يتقدم مثله، أَى تقطع مابينكم كما قرأَ به ابن مسعود، ومثل هذا أَن يقال تقطع وصل ما بينكم، فبين نعت لمحذوف، وما نكرة موصوفة، قيل أَو بين فاعل باق على نصبه، وأَجاز بعضهم أَن يكون بين فاعلا بمعنى الوصل من الأَضداد بنى على هذا لإضافته لمبنى ولو لم يكن المضاف متوغلا فى الإِبهام وهو فيما قبل هذا الوجه معرب منصوب على الظرفية، ويجوز تنازع تقطع وضل فى ما ففاعل تقطع ما وفاعل ضل ضمير ما أَو بالعكس { وَضَلَّ } ذهب { عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } أَنه إِله أَى غابت أَصنامهم وكل ما يعبدون من آدمى أَو بقرة أَو غيرها ولم تحضر وتارة تحضر فتلعنهم وتشتد الحسرة عليهم بحضورها لاعنة موبخة، أَو يراد بضلالها عدم نفعها حضرت أَو غابت، أَو ضل عنكم زعمكم أَنها شفعاؤكم وأَن لا بعث ولا جزاءَ، ومعنى ضلال الزعم بطلانه وعدم ظهور نفع به.