{ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً } أَى ولو جعلنا مطلوبهم ملكاً، وهو أَن يكون شاهد نبوءَته ملكاً، فهذا جواب ثان عن قولهم{ لولا أَنزل عليه ملك } [الأنعام: 8] أَو ولو جعلنا الرسول ملكاً كما قالوا{ لو شاءَ ربنا لأَنزل ملائكة } [فصلت: 14] وكما قال{ وعجبوا أَن جاءهم منذر منهم } [ص: 4]، و{ قالوا أَبعث الله بشراً رسولا } [الإِسراء: 94] فتكون الآية جواباً لقولهم إِنما يكون الرسول ملكاً لا بشراً لأَن الملك أَقوى وأَعلم على قهر على ما يرسل به. أَو لو جعلنا المنزل من ملك شاهدا بالنبوءة، أَو ملكا مرسلا، وهذا يعم ذلك كله، وقيل لو جعلنا مكان النبئَ ملكاً كما قال الله عز وجل{ ولو شاءَ الله لأَنزل ملائكة } [المؤمنون: 24] { لَجَعْلنَاهُ رَجُلاً } بحسب الظاهر كما يرسل جبريل إِلى النبى صلى الله عليه وسلم بصورة دحية الكلبى، وكما جاءَ الملكان إِلى داود بصورة رجلين خصمين، والملائكة بصورة أَضياف إِلى إِبراهيم ولوط عليهما السلام، لأَن البشر لا يقوى على معاينة صورة الملك إِلا بعض الرسل في بعض الأَحيان، وقد روى أَنه صلى الله عليه وسلم رأَى جبريل بصورته فصعق، وعن عائشة أَنه صلى الله عليه وسلم رأَى جبريل على صورته مرتين، مرة فى الأَرض فى أَجياد، ومرة فى السماءَ، وفى الآية أَن المرأَة لا تكون رسولا، وذلك إِجماع وإِنما الخلاف فى نبوءَتها. { وَلَلَبسْنَا عَلَيْهِمْ } خلطنا عليهم جعله رجلا، والإِيتان بما يشتبه { مَا يَلْبِسُونَ } ما يخلطون على أَنفسهم وعلى غيرهم فما يفيدهم جعله رجلا شيئاً، فلا يزالون يطلبون شاهدا ملكاً أَو رسولا ملكاً، ويقولون للملك الذى بصورة الرجل ما أَنت إِلا بشر مثلنا، ويزيدون تحيراً، ويجوز أَن يكون المعنى: ولأَعناهم بجعله رجلا على الكفر وذلك لا يليق بشأننا، أو لزدناهم ضلالا على ضلالهم، وما اسم، أَى لخلطنا شأْنهم الذى يخلطونه وقلبناه، أَو حرف مصدر، أَى لخلطنا عليهم تخليطاً مثل تخليطهم على أَنفسهم وعلى غيرهم، وبيان تخليطهم على غيرهم أَنهم يقولون لضعفائهم أَنه لا يكون الرسل إِلا ملائكة.