الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ } * { فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }

{ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً } مبتدئاً فى الطلوع من بزغ بمعنى ظهر، أَو بزغ بمعنى شق، فإِنه شق الظلمة، أَو من بزغ بمعنى سال كأَن ضوءَه سال وانتشر { قَالَ } لهم أَو لنفسه، أَو قال يقولون { هذا ربىّ } فى زعمكم، أَو بطريق الاستدلال، { فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ } والله { لَمْ يَهْدِنِى رَبِّى } يعنى الله، أَى لئن لم يثبتنى على الهدى لأَنَّ أَصل إِلى الهدى من حين كان حياً فى البطن وما زال يزداد، فليس المراد لئن لم يعطنى ربى الهدى { لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ } تلويح بقومه، أَو لمطلق من لم يكن على ما كان عليه بأنهم على ضلال، جادلهم بأفول الكوكب، أَو استدل ولما لم يؤثر فيهم، أَو فرض أَلاَّ يؤثر فيهم وهو مستدل، استدل ببزوغ القمر وأَفوله، ولما لم يؤثر أَو فرض عدم التأثير جادلهم بأفول الشمس، كما قال:

{ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّى } فى زعمكم، أَو بطريق الاستدلال، أَو قال: يقولون هذا ربى، وذكَّر الإِشارة لأَن الخبر غير مؤنث وهو الراجح فى المؤنث المخبر عنه بالمذكر، ولأَن الله سبحانه منزه عن صيغة التأْنيث، يقال: الله خلاق وعلام لا خلاقة وعلامة بالتاء مع أَنها آكد، وعندى: لا يجوز فى الله أَن تقول: الذات الواجبة بل الواجب بلا تاء، وينبغى أَلا يطلق عليه الذات أَيضاً لأَنه لفظ تأنيث لكن جرى التعبير به والصواب أَن يقال: الشىء الواجب بالنفس أَى لا بغيره، فإِن الصحيح إِطلاق النفس على الله، أَو ذكَّر الإِشارة لأَن الشمس نجم أَو أَراد هذا الجسم البازغ { هَذَا } ذكَّره لتأْويل النجم، أَو هذا الجسم البازغ لا لتذكير الخبر لأَن هذا الخبر المذكور لا يذكَّر له المؤنث لأَنه اسم تفضيل شأْنه ذلك لتنكيره، تقول فى المرأَة هذه أَكبر لا هذا أَكبر، ولا صحة لقول من قال أَنه لا تأْنيث فى لغة العجم لاسم الإِشارة، ولا لقول من قال أَن الإِضافة مقلوبة فى لغة العجم فإِن الذى شاهدناه غير ذلك فى أَكثر اللغات ونسبى فى بنى عدى من العرب، ولسانى بربرى موافق للعربية كلها إِلا قليلا، ولا يذكر فى العربية شىء من أَلفاظ العجمية ولا من قواعدها إِلا الأَسماءَ { أَكْبَرُ } من الكواكب والقمر جرماً وضوءاً ونفعاً وتأَثيراً بإِذن الله، فلعلها الرب بطريق الاستدلال، أَو فى زعمكم، ويقال أَن الشمس مائة وستة وستون مثلا وربع وثمن مثل الأَرض، وستة آلاف وستمائة وأَربعون وأَربعون مثلا وثلثاً مثل للقمر، وأَن الأَرض تسعة وثلاثون مثلا وخمس وعشر مثل للقمر { فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ } لنفسه كأَنه يخاطب قومه بحضرتهم وهم غائبون، وهذا على طريق الاستدلال، أَو خاطبهم تحقيقاً وهو المتبادر من قوله يا قوم، وعلى كل حال لما قويت الحجة فى الاستدلال أَو فى خطابه قومه صرح بالبراءَة من دين قومه { يَا قَوْمِ إِنِّى بَرِئٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ } من إِشراككم، أَو من الأَشياء التي تشركونها بالله سبحانه وتعالى، من الشمس والقمر والكواكب والأَصنام والآدميين، كما أَن الأَب عندهم رب لزوجه، وهى رب لولدها، ونمرود رب لهم لعنهم الله، والمخلوق العاجز المحدث كيف يكون إِلهاً؟، وإِنما الإِله هو القديم الموجود لغيره على أَنواع من الجائزات يخصها بها زماناً ومكاناً وذاتاً وأَحوالاً، وسائر العوارض، وأَفعاله على صفاته وذاته.