الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ }

{ وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ } أَى مثل رؤية إِبراهيم أَباه وقومه فى الضلال المبين صيرناه رائياً ملكوت إِلخ... أَو الأَمر كذلك، أَى كما رآه من ضلال أَبيه وقومه، أَو كما رآهم فى الضلال المبين أَريناه إِياهم فيه، أَى على الوصف المذكور، وفى الوجهين التوكيد وانقطاع نرى إِبراهيم عما قبله والتأسيس، ووصل نرى إِبراهيم أَولى، والوجه هو الأَول، ويليه أَن يقدر وكما أَريناك يا محمد الهداية وضلال قومك أَرينا إِبراهيم الهداية وضلال أَبيه وقومه، وفيه قطع نرى عما قبله، وإِن قدر كما أَريناك الهداية وضلال قومك أَرينا إِبراهيم ملكوت إِلخ.. كان متصلا لكن فيه مقابلة إِراءَته صلى الله عليه وسلم ذلك باراءَة إِبراهيم ملكوت إِلخ.. ووجهه أَن إِراءَة الملكوت من لوازم الهدى ومسبباته، وكذا فى الوجه الأَول إِلا أَنه تقوى بأَن الإِراءَة والرؤية قبلها كلتيهما فى إِبراهيم وإِراءَة إِبراهيم من رأَى بمعنى عرف، أَو بصرية، والرؤية سبب للمعرفة وملزومة لها، وعلى كل لها مفعول واحد، ولكن تعدت لاثنين بالهمزة، وقيل: المشبه التبصر من حيث إِنه واقع والمشبه به التبصير من حيث إِنه مدلول اللفظ، ومثله وصف النسبة بالمطابقة للواقع وهى عين الواقع، وبأَمثال ذلك نتخلص من ظاهر تشبيه الشىء بنفسه. وقف على صخرة بإِذن الله تعالى فكشف له عن العرش والكرسى والسماوات وما فيهن من العجائب والحكم، ومكانه فى الجنة، وعن الأَرضين وما فيهن وما تحتهن وما فى ذلك من العجائب والحكم، وروى أَنه رفع إلى جهة السماء ورأَى رجلاً يزنى فدعا عليه فأهلكه الله، ثم آخر يسرق فدعا عليه فمات، وآخر على معصية فأَراد الدعاءَ عليه فأَوحى الله إِليه: دع عنك عبادى وإِنك رجل مستجاب فإِما أَن أَتوب على عبادى وإِما أَن أَخرج منهم من يعبدنى، وإِما أَن أعذبه فى الآخرة، واسم الإِشارة عائد على الرؤية أَو الإِراءَة، فإِنما ذكر بتأويل البصر أَو التبصير، ونرى لحكاية الحال الماضية فى زمان إِبراهيم لتكون كالمشاهدة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. رأَى إِبراهيم عليه السلام ضلال أَبيه وقومه، فجازاه الله باراءَة ملكوت السماوات والأَرض، وهذا المعنى إِنما يتم بجعل الإِشارة إِلى رؤية إِبراهيم ضلال أَبيه وقومه، أَو إِراءَة الله إِياه ذلك، وبجعل نرى إِبراهيم متعلقاً بذلك لا منقطعاً، والملكوت الملك الخفى، أَو ما يتضمنه الملك الظاهر كالغلة التى تكون من الماء والنار فى الأَحجار، أَو الملك العظيم، وقد قيل: الملكوت الشمس والقمر والنجوم والأَشجار والجبال والبحور، والمراد إِراءَة حكمها وحقائقها، واللفظ مختص بالله جل وعلا، وقيل: يجوز لغيره، مثل أَن تقول: لفلان ملكوت الأَقاليم، أَو لفلان ملكوت المغرب، أَو لفلات ملكوت العراق أَو اليمن، وعلى كل حال الواو والتاء زائدتان للمبالغة، وقد فسر بعضهم الملكوت بالعجائب والبدائع فهى بالقلب، وتجوز بالبصر الموصل للعقل، وجعل بعضهم الكاف للتعليل وعلقها بنرى فيعطف على ذلك قوله { وَلِيَكُونَ مِنَ الموُقِنِين } أَى نريه ملكوت السماوات والأَرض لذلك وليكون من الموقنين، وإِن أَبقيناها على التشبيه فالعطف على محذوف، أَى ليستدل وليكون من الموقنين، أَو وأَريناه ذلك ليكون من الموقنين فحذف مدخول الواو العاطفة واليقين علم يحصل بعد زوال الشبهة بالنظر والتأَمل والمشاهدة.