الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ قُلْ أَنَدْعُوا } أَنعبد أَو نسأَل { مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا } لا يقدر على نفعنا أَو ضرنا، كقوله تعالىما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً } [المائدة: 76] ولا ينفعنا إِن عبدناه أَو سأَلناه، ولا يضرنا إِن تركنا عبادته، أَو عاملناه بالهوان { وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا } نرجع إِلى الشرك الذى كنا فيه كرجوع الماشى إِلى وراءِه باقياً على استدباره، وأَيضاً يولد بلا علم ثم يزداد علماً بجوارحه كسمعه وبصره ولسانه، وإِذا أَهملها فقد رجع إِلى وراءَه أَو تشبيه مركب بأَن شبه ترك الأَمر النافع بعد الدخول فيه وهو الإِيهان وتناول الأمر الضار وهو الشرك بعد الانصراف عنه وعصيان الأَصحاب الداعين إِلى الهدى بترك الذهاب إِلى قدام فى مصحة وعلى بصيرة، والرجوع إِلى الوراء الذى هو ضار وخلاف المقصود { بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ } بعد وقت هدانا الله إِلى الإِسلام، ولا يقبل جعل إِذ بمعنى أَن المصدرية لمخالفة الأصل وصحة المعنى بدونها. روى أَن ذلك فى أَبى بكر حين دعاه ابنه عبد الرحمن إِلى عبادة الأَصنام، فتوجه الخطاب إِلى النبى صلى الله عليه وسلم { كَالَّذِى اسْتَهْوَتْهُ } أَضلته وحيرته. شبه الإِضلال والتحيير فى الأَرض بعلاج الهُوى فى الأَرض والتسفل فيها، أَو بعلاج الذهاب بسرعة فى المشى. قيل: أَو بعلاج السقوط: وفيه تكلف ولكن يناسبه قوله تعالىومن يشرك بالله فقد خر من السماء } [الحج: 31] والمراد نرد ردا مثل الذى استهوته. أَو نرد مماثلين للذي استهوته، واعترض بأَن الرد ليس في حالة المشابهة كما أَن المجىءَ حال الركوب فى جاءَ زيد راكباً { الشَّيَاطِينُ } جمع مبالغة فهو كالذى استهوته جماعة كثيرة من مردة الجن فكيف ينجو { فِى الأَرْضِ } متعلق باستهوته أَو بحيران، أَو حال من الهاء ويضعف كونه حالا من قوله { حَيْرَانَ } أَو من مستترة، أَى غير مهتد إِلى الطريق، وهو مذكر حيرى لا حيرانة، وإِلا صرف، وهو كحال ثانية، أَو حال من الهاء { لَهُ أَصْحَابٌ } رفقه، نعت لحيران، أَو حال من المستتر فيه، ولا يصح ما قيل من جواز أَنه مستأنف، لأَنه من جملة ما هو محط التشبيه فإِنه شبه الراجع إِلى الغواية بعد الهدى بمن استهوته الشياطين متحيراً مقروناً بأَصحاب تزجره عن استهواء الشياطين، وهو معرض عن ذلك الزجر { يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى } إِلى الطريق فى الأَرض الذى ينجى من الاستهواء { ائْتِنَا } قائلين ائتنا واترك استهواء الشياطين لك، أَو يقدر يقولون ائتنا، ويقولون بدل من يدعونه، أَو محكى بيدعونه متضمنا معنى يقولون، على كل حال لا يستجيب لهؤلاء الذين يدعونه إِلى طريق النجاة فى الأَرض، وقد علمت أَن ذلك تشبيه مركب، وإِيضاح مفرداته أَن الراجع إِلى الشرك كالماشى إِلى وراءَ، وكالذى استهوته الشياطين متحيراً، وأَن أَهل الحق الداعين إِلى الإِسلام كالداعين لذلك المستهوى إِلى الطريق المنجية فى الأَرض، وأَن دين الإِسلام كطريق منجية فى الأَرض، ويسمى الطريق المنجية هذى مبالغة كأَنه نفس الرشاد، أَو يقدر طريق الهدى، ويجوز أَن يراد بالهدى دين الإِسلام فيكون تجريداً للتشبيه، ومعنى قول الكشاف: استهوته الشياطين مردة الجن كما تزعم العرب أَن العرب تقول يحترق الجنى بالشهاب فيظهر فى الفلوات يضل الناس حتى يموتوا، لا ما قيل أَنه إِنكار العرب الجن وليس هو منكراً للجن، والشياطين الكافرون من الجن موحدين أَو مشركين، وقيل نوع خلقوا من النار شأْنهم الفساد، من شطن بمعنى بعد، فهم بعيدون عن الحق، أَو من شاط بمعنى احترق أَو بطل { قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى } دين الإِسلام وحده هو الهدى وغيره ضلال، وسواء الهدى الذى بمعنى البيان وهو فى وسع الرسل وغيرهم يعم السعداءَ والأَشقياءَ ولو لم يعم لم يقطع عذر عاص مصر، والهدى الذى بمعنى التوفيق، وهو مختص بالله عز وجل، واختص بالسعداء، وهذا حصر إِفراد للهدى فى هدى بمعنى المصدرية، أَو بمعنى ما يهتدى به بعد ما وبخهم وأَنكر اللياقة بقوله { وَأُمرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } هذا إِلى قوله الخبير، داخل فى قل، عطف فعليه على اسمية، ولا يضر ذلك، ولا عطف إِنشاء على الخبر ولا عكس ذلك لأَن الجمل المحكية كل واحدة اسم أَصله جملة كأَنه قيل كذا أَو قل كذا.

السابقالتالي
2