الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ وَهُوَ الَّذِِى يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ } ينيمكم فى الليل، شبه الإِنامة بالإِماتة فاستعار لها ما وضع للإِماتة وهو التوفى، واشتق منه يتوفى، والجامع عدم الإِحساس، ففى الجسد روح الحياة تخرج بالموت، وروح التمييز تخرج بالنوم، وترى المنامات، أَو روح واحدة تتعلق بالظاهر والباطن حال اليقظة، وبالباطن حال النوم، إِذ هى فيه. أَو هى فى ظاهر النائم إِذ جسده حى ولا يميز بها باطنه، فيتوفاكم يقطع تعلقها بالباطن وتزول عنهما فى الموت، وقد قيل: النوم يقطع الحس الظاهر والحس الباطن، وقيل: لا يقطع الباطن، وخص الليل مع أَن النوم فى النهار أَيضاً لأَنه فى الليل أَرسخ وفيه أَصل وأَكثر { وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ } ما كسبتموه فى النهار، أَو كسبكم فيه، وذلك شامل للإِثم والخير، ففيه تنبيه وتهديد، ولا سيما أَنه قيل أَن المراد الإِثم كما هو قول ابن عباس، ولذلك على القولين لم يقل ينيمكم، وقيل المراد كل شىء من طاعة ومعصية وغيرهما، فيراد أَيضاً التنبيه والتهديد، ومنه تسمية اليد مثلا جارحة، والطير والسباع جوارح، لكسبها بيدها، وخص الكسب بالنهار مع أَنه يقع فى الليل لأَنه فى النهار أَرسخ وأَكثر كما أَن النوم فى الليل أَرسخ، والنهار مخلوق للحركة والليل للسكون { ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ } فى النهار برد أَرواحكم فيها، والعطف على يتوفاكم، ووسط يعلم ما جرحتم بالنهار لبيان ما فى يبعثكم من عظم الإِحسان إِليهم بالتنبيه على ما يكسبونه من السيئات، والبعث تشريح لملاءمته المشبه به وهو الإِماتة، فإِنه فى عرف الشرع مختص بها ولو جاز أَن يطلق حقيقة فى اللغة على الإِيقاظ من النوم وعلى كل إِنهاض، وهذا أَولى من قول بعض الإِيقاظ من النوم قيل يسمى بعثاً حقيقة، وقيل مجازاً، وحمل اللفظ على المعنى العرفى كالواجب، ,خص البعث بالنهار مع أَنه يكون ليلا أَيضاً لأَن المجعول للنوم الليل، فالبعث بعده، وكانوا لا صلاة فجر عندهم حتى أَسلموا، وأَيضاً من أَسلم يصلى ركعتين فى أَول النهار وركعتين فى آخره، ثم ينام ليله كله، وأَجاز بعضهم عود الهاء لليل، ويضعف ما قيل إِن المراد بالنهار النهار السابق على الليل المذكور، فلا دلالة فيه على تأْخير الإِيقاظ عن هذا التوفى، والواضح أَنه النهار بعد هذا الليل فصل بجملته ليتصل قوله { ثم يبعثكم فيه } بقوله { لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى } إِلى قوله { ثم ينبئكم } إِلى آخره، فالمراد بقوله " ويعلم ما جرحتم " بيان مجرد الكسب من غير دلالة على الإِيقاظ واليقظة، واللام يتعلق ببعث أَى يبعثكم لتتم أَيامكم فى الحياة الدنيا، وهى الأَجل المسمى، ويجوز أَن يراد بقوله يبعثكم البعث من القبور فتعود الهاء إِلى ما جرحتم أَو إِلى جرحكم أَو إِلى ذلك أَو إِلى التوفى، أَى فى شأن ذلك كله فيجازيكم، ولو كان التوفى مسنداً إِلى الله لأَن الإِنامة نعمة يجب عليهم شكرها، وأَن يتوصلوا بأَبدانهم إِلى عبادة الله عز وجل، وعليه فالأَجل المسمى مدة اللبث فى القبور، والمراد ليقضوا أَجلا مسمى، أَو ليقضى الله أَجلاً مسمى، ويدل له قراءَة ليقضى أَجلا مسمى بالبناء للفاعل، ونصب أَجل { ثُمَّ إِليْهِ } لا إِلى غيره { مَرْجِعُكُمْ } رجوعكم بالحساب أَو بالموت، على أَن قوله يبعثكم بعث من القبور، والخطاب فى ذلك كله للناس أَو الكفرة، واللائق للنائم: أَن ينام على نية التقوى على إِطاعة الله وكسب الطاعات، والكافر ينام مهملا لنفسه، أَو ينوى القوة على المعصية، ويكسب المعاصى، والتراخى بثم بين النوم واليقظة باعتبار أَول النوم وبين البعث من القبور والرجوع إِلى الموقف باعتبار الوصول { ثُمَّ يَنَبِّئُكُمْ } وهذا كناية عن الجزاء { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } من طاعة ومعصية.