الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }

{ أَلَمْ يَرَوْا } أَى أَهل مكة فى سفرهم إِلى اليمن شتاء، وإِلى الشام صيفا، وإِلى غيرها للتجارة أَو غيرهما { كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ } إِلخ، فإِنه إِهلاك فى الدنيا، إِلا أَنه متتبع بعذاب الآخرة، وللانتقام لدين الله عز وجل، وكم خبرية للتكثير مفعول لأَهلكنا، والجملة مفعول للرؤية البصرية، علقتها كم لأَن معنى التعليق التعميد عن نصب مفرد أَو مفردين، أَو مفرد وجملة، سواء دخل المعلق على جملة اسمية أَو فعلية، والقرن أَهل عصر فيهم نبى أَو فائق فى العلم،ولو قلت المدة كما قال الزجاج، ويحتاج سموا لاقترانهم مدة من الزمان، أَو المقدار الأَوسط من أَعمار كل أهل عصر، أَو ثمانون سنة، أَو سبعون سنة، أَو ستون أَو أَربعون أَو ثلاثون، أَو تسعون، أَو عشرون، أَو خمسون أَو عشرة، أَو ثمانية وعشرون، أَو مائة وعشرون أَو مائة، لقوله صلى الله عليه وسلم لصحابى: تعيش قرنا. فعاش مائة، أَو القرن تلك الأَزمنة، فيقدر مضاف أَى أَهل قرن، ولفظ القرن من قرن الشئَ بالشئ، واصحابى الذى قال له: تعيش قرنا فعاش مائة هو عبد الله بن بشر المازني، ويجوز أَن الرؤية علمية، وأَنهم عارفون ذلك برؤية الآثار، وبسماع الأخبار، والمراد من قبل زمانهم أَو من قبل خلقهم، كقوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط وقوم شعيب، وفرعون وغيرهم، وكأَنه قيل ما حالهم، فقال عز وجل { مَكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ } كعاد وثمود { مَا لَمْ نُمَكّنْ لَكُمْ } أَو الجملة نعت، والمراد ما لم نمكن لكم يا أَهل مكة من طول العمر وعظم الجسم والعدد وسعة الرزق والكثرة، وما واقعة على التمكين فهى مفعول مطلق موصول أَو نكرة موصوفة، وليس المراد أَنها نعت لمحذوف فضلا عن أَن يقال أَنها لا ينعت بما، بل معناها التمكين الذى لم نمكنه، أَو تمكين ما لم نمكن... إِلخ.. ولا يجوز أَن تكون نعتا لمصدر محذوف، أَى تمكينا ما إِلخ..ويجوز أَن يكون مفعولا ثانيا لمكنا لتضمنه معنى أَعطينا، ومكن يتعدى بنفسه تارة وبالحرف أُخرى كنصحته، ونصحت له، وذكر أَبو عبيدة اللغوى أَنهما لغتان، قيل واللام أَكثر. ومكناه فى كذا أَثبتناه فيه { ولقد مكناكم فيما إِن مكناكم فيه } ومكنا له جعلنا له مكانا. إِنا مكنا له فى الأَرض { أَو لم نمكن لهم حرما آمنا }. أَى جعلنا لهم حرماً آمنا مكناه، ولكم خطاب التفت الكلام فيه عن الغيبة فى يروا وأَهلكناهم، وإِنما قلت الخطاب لأَهل مكة لما فيه من الارتباط لما قبله، ولو جاز كونه لجميع الناس، وأَبعد من هذا كونه للمؤمنين { وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ } المطر كما روى عن ابن عباس، وكل ما علاك فهو سماء، أَو السحاب، فإِنه علاك، أَى أَرسلنا ماءَ السحاب، أَو السماء الدنيا أَى أَرسلنا ماء السماءَ الدنيا { عليهم مدرارا } وجه إِرسال السحاب أَو السماءِ الدنيا مدرارا، إِرسال مائها على حذف مضاف، كما رأَيت أَو كأنها أَرسلت هى لأَن إِرسال المطر منها، والله قادر أَن يبلغ الماءَ من السماءِ الدنيا فى أَقل من لحظة، أَو جعله الله مستمر النزول في الأَزمنة المتطاولة إِلى مواقعه، ومدرار متتابع أَو كثير مأْخوذ من درت الناقة مثلا تتابع لبنها للحالب لكثرته، أَو كثر، حال من السماءِ، وذكر، ولو جعلنا السماءَ بمعنى السماء الدنيا أَو السحاب مع أَنهما مؤنثان لأَن مفعالا وفعولا وفعالا فى المبالغة يستوى فيهن المذكر والمؤنث، وتفسير السماءِ بالسحاب أَو المطر أَولى لشمول الماءِ النازل من السماءِ الدنيا والمنعقد من البحار والعيون والبخار { وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ } صيرناها أَو أَوجدناها { تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمْ } قيل من فى مثل هذا زائدة فى الإِثبات والتعريف، وقيل بمعنى فى، ويجوز أَن تكون ابتدائية فإِنها ولو جرت متطاولة إِلا أَن كل مسكن مبدأ لما بعده، والمعنى من تحت مساكنهم، أَو تحت أَبدانهم، فإن الماءَ الجارى يعلوه القائم والقاعد { فأَهْلَكْنَاهُمْ } استأْصلناهم والفاء للتعقيب، أَو عاطفة على محذوف أَى كفروا فأَهلكناهم بلا فاء فى المقدر أَو بها { بذنوبهم } أَى بسبب ذنوبهم من شرك، ومعاصيهم، ولم يمنعهم ثمار أَشجارهم، وحب حرثهم الكثير العظيم المتولد من الأَنهار والمطر ولا كثرة عددهم ولا قوة أَجسامهم وآلاتهم.

السابقالتالي
2