الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ وَمَا الحيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ } ما أَعمال الحياة الدنيا التى هى معاص أَو مكروهات وما لا يعنى والمباحات التى لم تصرف إِلى الطاعة بنية إِلا لعب وهو ما لا نفع فيه ولا جد، بل هزل، وإِلا لهو وهو اشتغال عما يهم مما ينفع أَو يتوهم نفعة، وأَخرج بعضهم عن اللهو واللعب ما هو من مروة المعاش ولم تقصد به معصية، وقيل اللعب ما يشغل النفس عما تنتفع به، واللهو صرفها عن الجد إِلى الهزل، فالدنيا ذمت من هذا الوجه، ومدحت من حيث إن الطاعة -ومنها المباح المصروف إِليها - تكتسب فيها، فنعمت المطية، والكلام من التشبيه البليغ، ولو لم يقدر المضاف وهو أَعمال وجعلت الدنيا نفسها لعباً ولهواً مبالغة لصح، وقيل اللهو صرف الهم بما لا يصح أَن يصرف به، واللعب طلب المسرة بما لا يحسن أَن تطلب به، وقيل اللعب ما قصد به تعجيل المسرة، واللهو ما شغل من هوى وطرب، وقيل ما قدم من غير ترك للآخر لعب، وما ترك به الآخر ونسيه لهو، وقيل هما فى الشئ الواحد باعتبارين، فإِذا أَقبل على الباطل أَعرض عن الحق، فإقباله لعب وإِعراضه لهو، وقدم اللهو فى العنكبوت، والله أَعلم، لأَن المقام فيها لقصر الحياة الدنيا واللهو مما يقصر به الزمان، وأَيام السرور قصار، والمقام هنا للرد على الكفرة فى إِنكار الآخرة، والمراد مسرة الدنيا وهى كلا شئَ فقدم لعب، أَو قدمه لإِقبالهم على الباطل قولا وفعلا، أَو لأَن اللعب مقدم خارجاً على اللهو، أَجاب قولهمإِن هى إِلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين } [المؤمنون: 37] بقوله عز وجل { وما الحياة الدنيا إِلا لعب ولهو } ، وبقوله { وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ } لدوامها وعدم تكدر لذاتها من الدنيا لعنائها وتكدر لذاتها ونقص لذاتها، أَو خير بمعنى منفعة { لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الشرك والمعاصى، أَو أَفضل لهم فى الدنيا، وأَما الكفار فما لهم فى الدنيا منفعة لهم، لا ما فى الآخرة، وما ليس من أَعمال المتقين لهو ولعب لا يؤدى إِلى سعادة، واللام للابتداء متصل بأَلف أَل التى حذفت وبقيت اللام بعدها، ومقتضى قوله: وما الحياة الدنيا أَن يقال وما الدار الآخرة إِلا جد وحق، لكن أُقيم مقامه مسببه وهو الخيرية للذين يتقون، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } للحاضرين أَو تغليب لهم على الغائبين فيكون توبيخهم منطوقاً به كالحاضرين، أَى أَلا يتفكرون فلا يعقلون، أَو تغفلون فلا تعقلون أَن الدار الآخرة خير، وأَن الدنيا لعب ولهو، قيل اللهو واللعب مترادفان، وأَنهما ما يلهو به الصبيان ويجتمعون عليه ساعة مبتهجين ويتفرعون، وذلك صرف الهم بما لا يحسن صرفه به، أَو طلب الفرح بما لا يحسن أَن يطلب، واختار بعض أَن كل لعب لهو ولا عكس، فبينهما عموم وخصوص مطلق، لأَن اللهو يشمل المباح والحرام دون اللعب، لأَن كل لعب حرام، وما استثنى منه فهو فى صورة اللعب، فالأَخص يستلزم الأَعم، وذكر الأَعم بعده يحتاج إِلى عناية، وهى أَنهم يلعبون به ويلهيهم ذلك اللعب فحينئذ يحسن الأَعم بعد ذكر الأَخص، كقوله تعالى:

السابقالتالي
2