الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } لا يعجز عن شئ، كل ما سواه مغلوب له وذيل له، والفوقية علو شأْن لا حس، تعالى الله عن الجهة، والجملة استعارة تمثيلية لعلو شأْنه تعالى، والاستعارة فى فوق بأَن شبه الغلبة بمكان محسوس، وقيل: كنى عن القهر والعلو، بالغلبة، وفوق متعلق بقاهر، أَو حال من ضميره، أَو خبر ثان، وذلك عبارة عن كمال القدرة كما أَن قوله تعالى { وَهُوَ الْحَكِيمُ الخَبِيرُ } عبارة عن كمال العلم، فإِن الحكيم لا يكون إِلا عالما فى تدبيره وأَمره محققا، والخبير العليم ببواطنهم كظاهرهم سواء، قال الجيلانى: من أَراد السلامة فى الدنيا والآخرة فعليه بالصبر والرضا وترك الشكوى إِلى خلقه، وإِنزال حوائجه بربه عز وجل، ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه تعالى، والانقطاع إِليه، فحرمانه عطاءَ، وعقوبته نعماء وبلاؤه دواء ووعده حال، وقوله فعل، وكل أَفعاله حسنة وحكمة ومصلحة، غير أَنه عز وجل طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به، فليس لك إِلا الاستقلال بالعبودية من أَداءِ الأوامر واجتناب النواهى والتسليم فى القدر وترك الاشتغال بالربوبية والسكوت عن: لم وكيف ومتى، ولما قال أَهل مكة: يا محمد أَرنا من يشهد أَنك رسول الله فإِنا لا نرى أَحداً يصدقك، ولقد سأَلنا اليهود والنصارى فأَنكروك وقالوا ليس لك عندهم ذكر ولا صفة نزل قوله تعالى:

{ قُلْ أَىُّ شَئٍْ أَكْبَرُ شَهَادَةً } أَى موجود من الموجودات، فإِن الشئَ يطلق على من وجد وفنى أَو يفنى أَو سيوجد لا علَى غير ذلك وأَصله مصدر شاءَ، أَى ما شاءَ الله وجوده أَو ما شِئَ وجوده { قُلِ اللهُ } أَى هو الله، أَى إِن الشئَ الأَكبر شهادة هو الله، والله هو، أَى الله ذلك الأَكبر شهادة لا محيد لهم عن أَن يقولوا هو الله، فقله أَنت، أَو قلة إِن لم يقولوه على حد ما مر فىلمن ما فى السماوات والأَرض قل لله } [الأنعام: 12] وذلك هو الجواب، وقوله { شَهِيدٌ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } خبر لمحذوف، أَى هو شهيد بينى وبينكم، وهو تقرير لقوله: قل الله، وبيان لمتعلق الشهادة بعد إِجمالها، سألهم عن الأَكبر شهادة فى مطلق الأَخبار، وأَجاب الله إِجمالا وفصل بهذا بأَنه تعالى شهيد بينه وبينهم بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ويجوز أَن يكون الله شهيد مبتدأ وخبر كجواب من حيث المعنى؛ لأَنه إِذا كان الله شهيدا فهو الأَكبر شهادة عندهم أَيضا الذى سأَلوا عنه، أَو أَجاب بما هو أَليق بالسؤال عنه، ويسمى الأسلوب الحكيم، وشهادة الله عز وجل إِخبار بأَنه رسول صلى الله عليه وسلم، واقتصر على ذلك فى الجواب لأَنه حق واضح لا محيد عنه مفهوم عند بعضهم مجحود، وسهل الإِدراك لمن استعمل نظره، والقرآن معجز أَيضا لم يقدروا على معارضته، أَو بشهادة الله عز وجل معجزاته، فإِن الإِعجاز كما يكون بالقول يكون بالفعل، لأَن حقيقته ما بين به المدعى بل بيانه بالفعل أَقوى منه بالقول لعروض الاحتمال فى القول لأَنه من باب العيان والقول من باب الأَخبار، ولو كان فى التشريع أَقوى من الفعل لأَنه يعدو القائل، فالاحتجاج بقول عالم أَقوى منه بفعله، وكرر بين لتحقيق المقابلة، ولو شاءَ لقال بيننا، وفى الآية تسمية الله شيئا لأَنه فى جواب أَى شئ، لكن يقال شئ لا كالأَشياء، أَو لا كسائر الأَشياء، والحق أَن الشئَ يطلق على ما وجد فى الحال وفى الماضى وفى المستقبل، وما ليس من ذلك لا يطلق عليه الشئ إِلا مجازا، وكذا فى قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4