الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ } جمع خليفة، والخليفة إِذا كان لمؤنث يؤنث وإِذا كان لمذكر يذكر ولا يؤنث فتقول: جاءَ الخليفة وهذا الخليفة، ولا تقول جاءَت أَو هذه، وشذ قوله: أََبوك خليفة ولدته أخرى، وظاهر قول بعض إِن منهم من يقول خليفة أُخرى، أَن التأنيث لغة، ومعنى جعلهم خلائف أَنهم يخلفون من قبلهم أَو أَن بعضا يخلف بعضا، أَو جعلكم خلفاءَ لله فى أَرضه فوحدوه واعبدوه ولا تجوروا فىتصرفاتكم فيها، أَو الخطاب للمؤمنين جعلهم خلفاءَ الأُمم السابقة { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } بالمال والجاه والشرف والقوة والحسن والغنى والعلم والجود وكرم الأَخلاق { لِيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَاكُمْ } أَيكم يشكر الخير ويصبر على السوءِ { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ } للعصاة، والسرعة عبارة عن القرب، لأَنها سبب للقرب وملزوم له فى الجملة، وكل ما هو آت قريب أَو سريع التمام إِذا جاءَ لا يؤخر عن وقته { وإِنه لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } بالغ فى الغفران والرحمة بصيغتى المبالغة ولام التأكيد وإِسنادهما إِلى نفسه بخلاف العقاب فلا صيغة مبالغة فيه ولا معه لأَن سريع صفة مشبهة لا صيغة مبالغة، ولا أَسند السرعة إِلى نفسه ولا أَسند العقاب إِلى نفسه، إِذ لم يقل إِنى سريع فى العقاب ولا إِنى معاقب سريعا، وذلك تلويح بأَنه غفور رحيم بالذات وكثير الغفران والرحمة ومعاقب بالعرض قليل العقاب، وذلك ترجيح للمغفرة والرحمة، ومعنى قولنا بالذات بالأَصالة والرجحان وسبق الرحمة للغضب لا ما قيل إِن معنى بالذات أَن غفرانه ورحمته لا يتوقفان على شئ، ومعنى بالعرض أَن العقاب يتوقف على الذنب، لأَنا نقول المغفرة والرحمة تتوقفان على العمل الصالح والتوبة فإِن عدم توقفهما على ذلك مذهب المرجئة ومن اعترف منهم، قال بعض:
أَنا مذنب أَنا مخئ أَنا عاصى   هو غافر هو راحم هو عافى
قابلتهن ثلاثـة بثلاثـة   ولتغلبن أَوصافه أَوصافـى
وقال الشافعى:
ولما قسا قلبى وضاقت مذاهبى   جعلت الرجا ربى لعفوك سلما
تعاظمنى ذنبى فلما قرنتـه   بعفوك ربى كان عفوك أَعظما
قال أَبو نواس:
يا رب إِن عظمت ذنوبى كثرة   فلقد علمت بأَن عفوك أَعظم
إِن كان لا يرجوك إِلا محسـن   فمن يلوذ فيستجير المجـرم
وفى الأَعراف اللام فى الموضعين لأَن ما فيها بعدوأَخذنا الذين ظلموا } [الأعراف: 165] وبعدكونوا قردة } [الأعراف: 166] فناسب اللام فى سريع لذلك، ولأَنه مقطوع بالعذاب فيها، وهنا فى وعظ لمن يزدجر وبعد قوله: من جاءَ، وقوله: وهو الذى، وكانت اللام فى الثانية فى الأَعراف تبعا للأُولى فيها ولتأكيد الغفران فى الجملة لا فى للمقطوع عليهم بالشر المذكورين قبلها. والله أَعلم ولا حول ولا قوة إِلا بالله العلى العظيم.